يَزْرَعَهَا بِغَيْرِ كِرَابٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْكِرَابِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الرِّيعِ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ بِغَيْرِ كِرَابٍ، فَمَعَ الْكِرَابِ أَجْوَدُ، وَصِفَةُ الْجَوْدَةِ تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِالشَّرْطِ كَصِفَةِ الْجَوْدَةِ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَصِفَةُ الْكِتَابَةِ وَالْحِبْرِ فِي الْعَبْدِ تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِالشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ أَنْ يُوَفِّيَهُ فِي مِصْرِ كَذَا فَلَهُ أَنْ يُوَفِّيَهُ فِي أَيِّ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْمِصْرِ شَاءَ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فِي الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَفِّيَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الرِّيعُ يَحْصُلُ بِالْكِرَابِ وَغَيْرِ الْكِرَابِ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَحِينَئِذٍ لَا يُعْتَبَرُ هَذَا شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْكِرَابُ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِالزَّرْعِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ قُوَّةِ الْأَرْضِ فَإِنَّ الْكِرَابَ يُحْرِقُ الْأَرْضَ وَالزَّرْعَ، وَإِذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَيْسَ عَلَى الْمُزَارِعِ أَنْ يَكْرُبَهَا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الشَّرْطِ لِلْمَنْفَعَةِ لَا لِلضَّرَرِ، وَاشْتِرَاطُ التَّثْنِيَةِ عَلَى الْمُزَارِعِ فِي الْمُزَارَعَةِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ قَالَ: لِأَنَّهُ يُبْقِي مَنْفَعَتَهَا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَة بِخِلَافِ الْكِرَابِ فَإِنَّهُ لَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ، فَاشْتِرَاطُهُ لَا يُفْسِدُ الْمُزَارَعَةَ. وَتَكَلَّمُوا فِي تَفْسِيرِ التَّثْنِيَةِ فَقِيلَ الْمُرَادُ أَنْ يَكْرُبَهَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَزْرَعُ فَعَلَى هَذَا اشْتِرَاطُ التَّثْنِيَةِ فِي دِيَارِنَا لَا يُفْسِدُ الْمُزَارَعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهَا بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ، وَفِي الدِّيَارِ الَّتِي تَبْقَى مَنْفَعَتُهَا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ سَنَةٍ إنْ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ بَيْنَهُمَا سَنَةً وَاحِدَةٍ يَفْسُدُ بِهَذَا الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهَا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَقِيلَ مَعْنَى التَّثْنِيَةِ: أَنْ يَكْرُبَهَا بَعْدَ مَا يَحْصُدُ الزَّرْعَ فَيَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً وَهَذَا الشَّرْطُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَنْتَهِي بِإِدْرَاكِ الزَّرْعِ فَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ عَمَلًا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَقِيلَ مَعْنَى التَّثْنِيَةِ: أَنْ يَجْعَلَهَا جَدَاوِلَ كَمَا يَفْعَلُ بِالْمَبْطَخَةِ فَيَزْرَعُ نَاحِيَةً مِنْهَا وَيُبْقِي مَا بَيْنَ الْجَدَاوِلِ مَكْرُوبًا فَيَنْتَفِعُ رَبُّ الْأَرْضِ بِذَلِكَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُزَارَعَةِ وَهَذَا مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَالْمُزَارَعَةُ تَفْسُدُ بِهِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْرُبَ أَنْهَارَهَا وَالْمُزَارَعَةُ بَيْنَهُمَا سَنَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ كَرَبَ الْأَنْهَارَ تَبْقَى مَنْفَعَتُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ إصْلَاحَ مَشَارِبِهَا أَوْ بِنَاءَ حَائِطٍ فِيهَا، أَوْ أَنْ يُسَرْجِنَهَا فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ، فَتَكُونُ مُفْسِدَةً لِلْمُزَارَعَةِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ زَرَعَ بِغَيْرِ كِرَابٍ فَلِلْمُزَارِعِ رُبُعُ الْخَارِجِ، وَإِنْ كَرَبَهَا ثُمَّ زَرَعَهَا فَلِلْمُزَارِعِ ثُلُثُ الْخَارِجِ، وَإِنْ كَرَبَ وَثَنَّى ثُمَّ زَرَعَ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ جَائِزَةٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنْوَاعًا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute