للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَمَلِ وَأَوْجَبَ لَهُ بِمُقَابَلَةِ كُلِّ نَوْعٍ شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ الْخَارِجِ، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى خَيَّاطٍ فَقَالَ: إنْ خِطْته رُومِيَّةً فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خِطْته فَارِسِيَّةً فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَوَانَ لُزُومِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ، وَانْعِقَادِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ عِنْدَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ، وَالْكِرَابُ وَالتَّثْنِيَةُ كُلُّ ذَلِكَ يَسْبِقُ إلْقَاءَ الْبَذْرِ، فَعِنْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ نَوْعُ الْعَمَلِ مَعْلُومٌ، وَبَدَلُهُ مَعْلُومٌ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الْأَجْرِ عِنْدَ إقَامَةِ الْعَمَلِ وَذَلِكَ عِنْدَ الْعَمَلِ مَعْلُومٌ، وَالْبَدَلُ مَعْلُومٌ، وَقَالَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا الْجَوَابُ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّثْنِيَةِ عَلَى الْمُزَارِعِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَهُنَا قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ التَّثْنِيَةَ، وَضَمَّ إلَيْهِ نَوْعَيْنِ آخَرَيْنِ مِنْ الْعَمَلِ فَتَمَكَّنَتْ الْجَهَالَةُ هُنَا مِنْ الْعَمَلِ، وَمِقْدَارُ الْبَدَلِ عِنْدَ الْعَقْدُ مَعَ اشْتِرَاطِ التَّثْنِيَةِ، فَلَأَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ كَانَ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ إذَا كَرَبَهَا أَوْ زَرَعَهَا بِغَيْرِ كِرَابٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ الْعَقْدَ إذَا ثَنَّى؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ ذَلِكَ بِعَمَلِهِ فَكَانَ شَرْطُ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ بِعَيْنِهِ وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ، أَمَّا إذَا جَعَلْنَا تَفْسِيرَ التَّثْنِيَةِ أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا سَبَقَ أَنْ جَعَلْنَا تَفْسِيرَ التَّثْنِيَةِ أَنْ يَكْرُبَهَا مَرَّتَيْنِ، فَهُنَاكَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّثْنِيَةُ بِالشَّرْطِ وَهِيَ مِمَّا تَبْقَى مَنْفَعَتُهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ الْمُزَارِعُ عَلَى إقَامَتِهَا، وَهُنَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ التَّثْنِيَةُ بَلْ يَتَخَيَّرُ هُوَ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ، وَهَذَا غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ، كَمَا إذَا أُطْلِقَ الْعَقْدُ يَصِحُّ، وَيَتَخَيَّرُ الْمُزَارِعُ بَيْنَ أَنْ يُثَنِّيَ الْكِرَابَ، وَبَيْنَ أَنْ يَكْرُبَهَا وَيَدَعُ التَّثْنِيَةَ فَإِنْ زَرَعَ بَعْضَهَا بِكِرَابٍ وَبَعْضَهَا بِغَيْرِ كِرَابٍ وَبَعْضَهَا بِكِرَابٍ وَثُنْيَانٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَمَا زَرَعَهَا بِغَيْرِ كِرَابٍ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا يَكُونُ أَرْبَاعًا وَمَا زَرَعَهَا بِكِرَابٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَمَا زُرِعَ بِكِرَابٍ وَثُنْيَانٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ شَرْطُ عَقْدِهِ بِهَذَا التَّبْعِيضِ، وَهُوَ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَزْرَعَ بَعْضَ الْأَرْض بِكِرَابٍ وَثُنْيَانٍ، وَبَعْضَهَا بِكِرَابٍ، وَبَعْضَهَا بِغَيْرِ كِرَابٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ؛ فَإِنَّ هُنَاكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخِيطَ بَعْضَ الثَّوْبِ رُومِيَّةً وَبَعْضَهُ فَارِسِيَّةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ عَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ أَنْ يُخَاطَ بَعْضُهُ رُومِيَّةً، وَبَعْضُهُ فَارِسِيَّةً، بَلْ يُعَدُّ ذَلِكَ عَيْبًا فِي الثَّوْبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشَّرْطُ أَنَّ مَا زُرِعَ بِكِرَابٍ وَثُنْيَانٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، وَقَدْ طَعَنُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْعَقْدُ هُنَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ فَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَزْرَعَ الْبَعْضَ بِكِرَابٍ، وَالْبَعْضَ بِثُنْيَانٍ، وَالْبَعْضَ

<<  <  ج: ص:  >  >>