للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِغَيْرِ كِرَابٍ، وَذَلِكَ الْبَعْضُ مَجْهُولٌ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ تُفْضِي إلَى تَمَكُّنِ الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ مِنْ جَانِبِ الْعَامِلِ أَوْ مِنْ جَانِبِ رَبِّ الْأَرْضِ، إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ الْعَقْدُ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا بِمَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْبَابِ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَجْنَاسِ الْبَذْرِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَفْسَدُوا الْعَقْدَ بِهِ لِهَذَا الْمَعْنَى إلَّا أَنَّا نَقُولُ: حَرْفُ " مِنْ " قَدْ يَكُونُ لِلصِّلَةِ خُصُوصًا فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ الْكَلَامُ بِدُونِهِ مُخْتَلًّا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ} [الحج: ٣٠]. وَإِذَا كَانَ حَرْفُ " مِنْ " صِلَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ الْكُلَّ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ الْأَعْمَالِ الثَّلَاثَةِ شَاءَ. فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَالْأُولَى سَوَاءٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ التَّخْيِيرِ فِي جِنْسِ الْبَذْرِ بِهَذَا اللَّفْظِ نَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ زَرَعَهَا شَعِيرًا فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ ثُلُثُهُ، وَإِنْ زَرَعَهَا سِمْسِمًا فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ رُبُعُهُ، فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَوَانَ لُزُومِ الْعَقْدِ، وَانْعِقَادِ الشَّرِكَةِ عِنْدَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ وَالْبَذْرُ مَعْلُومٌ. وَالْجَهَالَةُ قَبْلَ ذَلِكَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَإِنْ زَرَعَهَا بَعْضَهَا حِنْطَةً، وَبَعْضَهَا شَعِيرًا، وَبَعْضَهَا سِمْسِمًا فَذَلِكَ جَائِزٌ فِي كُلِّ نَوْعٍ عَلَى مَا اشْتَرَطَا اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ رَبُّ الْأَرْضِ بِأَنْ يَزْرَعَ كُلَّهَا عَلَى صِفَةٍ يَكُونُ رَاضِيًا بِأَنْ يَزْرَعَ بَعْضَهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، وَبِذَلِكَ الْبَذْرِ، كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا ثَلَاثِينَ سَنَةً عَلَى أَنَّ مَا زَرَعَ فِيهَا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ غَلَّةِ الصَّيْفِ أَوْ الشِّتَاءِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَمَا غَرَسَ فِيهَا مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ كَرْمٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ الثُّلُثُ، وَلِلْعَامِلِ الثُّلُثَانِ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا سَوَاءٌ زَرَعَ الْكُلَّ عَلَى أَحَدِ النَّوْعَيْنِ أَوْ زَرَعَ بَعْضَهَا، وَجَعَلَ فِي بَعْضِهَا كَرْمًا قَالَ: وَلَا يُشْبِهُ الْبُيُوعُ فِي هَذَا الْإِجَارَاتِ، وَالْإِجَارَاتُ فِي مِثْلِ هَذَا تَجُوزُ، وَذَكَرَ حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ الْأَجِيرِ، أَقُولُ لَهُ: إنْ عَمِلْت فِي كَذَا كَذَا فَبِكَذَا، وَإِنْ عَمِلْت كَذَا فَبِكَذَا؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ إنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ. قِيلَ: مَعْنَى هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ فِي الْبُيُوعِ إذَا اشْتَرَى أَحَدٌ شَيْئَيْنِ، وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا، وَفِي الْإِجَارَاتِ يَكُونُ الْعَقْدُ صَحِيحًا بِدُونِ شَرْطِ الْخِيَارِ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ وَالْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ فَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْخِيَارُ فِيهِ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا، وَالثَّمَنُ مَجْهُولًا عِنْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَفِي بَابِ الْمُزَارَعَةِ الْعَقْدُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ مَنْ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ، وَفِي الْإِجَارَةِ الْعَقْدُ، وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّ الْبَدَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>