لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعَمَلِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ الْعَمَلُ وَالْبَدَلُ مَعْلُومٌ، وَجَهَالَةُ صِفَةِ الْعَمَلِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَقِيلَ: بَلْ مُرَادُهُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ فِي الْبَيْعِ إذَا قَالَ: إلَى شَهْرٍ بِكَذَا أَوْ إلَى شَهْرَيْنِ بِكَذَا فَهَذَا يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ لِجَهَالَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ عِنْدَ وُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ، وَفِي الْإِجَارَةِ وُجُوبُ الْبَدَلِ عِنْدَ إقَامَةِ الْعَمَلِ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ انْعِقَادُ الشَّرِكَةِ عِنْدَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ هُوَ مَعْلُومٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ: وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْبُيُوعَ وَالْإِجَارَاتِ، فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، إذْ فِي الْمُزَارَعَةِ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ بَعْضَهَا حِنْطَةً، وَبَعْضَهَا شَعِيرًا، وَفِي الْإِجَارَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ لَيْسَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ إذَا اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّهمَا شَاءَ، وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ الْعَقْدَ فِي نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا فِي التَّبْعِيضِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ، وَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي زَرْعِهِ الْبَعْضَ حِنْطَةً وَالْبَعْضَ شَعِيرًا مَعْنَى الْإِضْرَارِ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ، ثُمَّ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْمُزَارَعَةِ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ بَيْتًا عَلَى أَنَّهُ إنْ قَعَدَ فِيهِ طَحَّانًا فَلَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَإِنْ قَعَدَ يَبِيعُ الطَّعَامَ فِيهِ فَأَجْرُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فِي قَوْلِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الْإِجَارَاتِ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ أَنَّ هُنَاكَ يَجِبُ الْأَجْرُ بِالتَّخْلِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا الْمُسْتَأْجِرُ، وَعِنْدَ التَّخْلِيَةِ مِقْدَارُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا فِي الْمُزَارَعَةِ فَالشَّرِكَةُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِإِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومَةٌ، فَيَكُونُ هَذَا قِيَاسَ مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا مُزَارَعَةً عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَبَقَرِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ بَعْضَهَا حِنْطَةً، وَبَعْضَهَا شَعِيرًا، وَبَعْضَهَا سِمْسِمًا فَمَا زَرَعَ مِنْهَا حِنْطَةً بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَمَا زَرَعَ مِنْهَا شَعِيرًا فَلِرَبِّ الْأَرْضِ ثُلُثُهُ، وَمَا زَرَعَ مِنْهَا سِمْسِمًا فَلِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْهُ ثُلُثَاهُ، وَلِلْعَامِلِ ثُلُثُهُ، فَهَذَا فَاسِدٌ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّبْعِيضِ هُنَا، وَذَلِكَ الْبَعْضُ مَجْهُولٌ فِي الْحَالِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَرَعَ بَعْضَهَا حِنْطَةً فَلَا يَعْلَمُ مَاذَا يَزْرَعُ فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِنْهَا فَكَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا؛ لِهَذَا، وَعِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ هُنَاكَ حَرْفَ " مِنْ " صِلَةٌ، فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ الْكُلَّ شَعِيرًا إنْ شَاءَ، وَحِنْطَةً إنْ شَاءَ، وَهُنَا نَصَّ عَلَى التَّبْعِيضِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا كُلَّهَا أَحَدَ الْأَصْنَافِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ خُذْهَا عَلَى أَنَّ مَا زَرَعْت مِنْهَا حِنْطَةً فَالْخَارِجُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ، وَمَا زَرَعْت مِنْهَا شَعِيرًا فَلِي ثُلُثُهُ وَلَك ثُلُثَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute