فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إذَا أَتَيْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَإِذَا أَتَيْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ دُنْيَاكُمْ فَأَنْتُمْ أَبْصَرُ بِدُنْيَاكُمْ. وَقِيلَ إنَّ النَّخِيلَ عَلَى طَبْعِ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّ النَّخْلَةَ خُلِقَتْ مِنْ فَضْلِ طِينَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى مَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَكْرِمُوا النَّخْلَةَ فَإِنَّهَا عَمَّتُكُمْ»، وَلِهَذَا لَا تُثْمِرُ إلَّا بِالتَّلْقِيحِ كَمَا لَا تَحْمِلُ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ إلَّا بِالْوَطْءِ، وَإِذَا قُطِعَتْ رَأْسُهَا يَبِسَتْ مِنْ سَاعَتِهَا كَالْآدَمِيِّ إذَا جُزَّ رَأْسُهُ. وَلَوْ اشْتَرَطَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا جَمِيعًا فِيهِ وَيَسْقِيَاهُ وَيُلَقِّحَاهُ بِتَلْقِيحٍ مِنْ عِنْدِهِمَا هَذِهِ السَّنَةَ فَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فَلِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ الثُّلُثَانِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ - فَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ جُزْءًا مِنْ الْخَارِجِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ نَخْلٌ وَلَا عَمَلٌ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ صَاحِبُهُ لِلْعَمَلِ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ إنْ كَانَ عَمَلُهُ أَكْثَرَ مِنْ عَمَلِ صَاحِبِهِ.
وَلَوْ دَفَعَ نَخْلًا إلَى رَجُلَيْنِ يَقُومَانِ عَلَيْهِ وَيُلَقِّحَانِهِ بِتَلْقِيحٍ مِنْ عِنْدِهِمَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِ الْعَامِلَيْنِ بِعَيْنِهِ نِصْفَ الْخَارِجِ وَلِلْآخَرِ سُدُسَهُ وَلِرَبِّ النَّخْلِ ثُلُثَهُ - فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ رَبَّ النَّخْلِ اسْتَأْجَرَهُمَا لِلْعَمَلِ فِي نَخِيلِهِ، وَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَجْرِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدَهُمَا لِلْعَمَلِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْآخَرَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطُوا أَنَّ لِأَحَدِ الْعَامِلَيْنِ بِعَيْنِهِ أَجْرَ مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى رَبِّ النَّخِيلِ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثَ الْخَارِجِ، وَلِرَبِّ النَّخِيلِ ثُلُثَاهُ، أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ - كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ بِأَجْرٍ مُسَمًّى، وَالْآخَرَ بِعَيْنِهِ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ يَصِحُّ عِنْدَ الِانْفِرَادِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ اشْتَرَطُوا لِصَاحِبِ النَّخْلِ الثُّلُثَ، وَلِأَحَدِ الْعَامِلَيْنِ بِعَيْنِهِ الثُّلُثَيْنِ، وَلِلْآخَرِ أَجْرًا مِائَةَ دِرْهَمٍ عَلَى الْعَامِلِ الَّذِي شَرَطَ لَهُ الثُّلُثَيْنِ - كَانَ هَذَا فَاسِدًا؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ نَخْلًا لَهُ مُعَامَلَةً هَذِهِ السَّنَةَ عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ النَّخْلِ الثُّلُثَ وَلِلْعَامِلِ الثُّلُثَيْنِ، وَعَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلُ فُلَانًا يَعْمَلُ مَعَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ - فَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَالْمُعَامَلَةُ تَفْسُدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ إجَارَةً فِي إجَارَةٍ. (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا هَذِهِ السَّنَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ يَقُومُ عَلَى الْعَمَلِ فِي نَخِيلِهِ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ فُلَانًا يَعْمَلُ مَعَهُ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا - كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ إجَارَةً فِي إجَارَةٍ، وَاشْتِرَاطُ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ يَكُونُ مُفْسِدًا لَهُمَا.
وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا سَنَتَهُ هَذِهِ يَزْرَعُهَا بِبَذْرِهِ وَبَقَرِهِ بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ فُلَانًا يَعْمَلُ مَعَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ - كَانَ فَاسِدًا. وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالشَّرْطُ كَمَا وَصَفْنَا - كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا أَيْضًا. هَكَذَا ذَكَرْنَا هُنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ وَشَرَطَا أَنْ يَعْمَلَ فُلَانٌ مَعَهُ بِثُلُثِ الْخَارِجِ أَنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ، وَهُوَ فَاسِدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute