للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا كَانَ تَافِهًا عَادَةً يَتَيَسَّرُ وُجُودُهُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الصُّيُودِ وَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَإِنَّمَا يَجِبُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَعِزُّ وُجُودُهُ فَيَنَالُهُ الْأَغْنِيَاءُ دُونَ الْفُقَرَاءِ كَالسَّوَائِمِ وَمَالِ التِّجَارَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا مَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ يَعِزُّ وُجُودُهُ فَأَمَّا الْخَضْرَاوَاتُ وَالرَّيَاحِينُ فَتَافِهَةٌ عَادَةً وَلِهَذَا أَوْجَبْنَا فِي الزَّعْفَرَانِ، وَلَمْ نُوجِبْ فِي الْوَرْسِ وَالْوَسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِمَا انْتِفَاعًا عَامًّا

وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْجَبَ فِي الْحِنَّاءِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا عَامًّا، وَلَمْ يُوجِبْهُ فِيهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ مِنْ الرَّيَاحِينِ وَفِي الثُّومِ وَالْبَصَلِ رِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: هُمَا مِنْ الْخُضَرِ فَلَا شَيْءَ فِيهِمَا، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ يَقَعَانِ فِي الْكَيْلِ وَيَبْقَيَانِ فِي أَيْدِي النَّاسِ مِنْ حَوْلٍ إلَى حَوْلٍ فَيَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ وَالْبِطِّيخُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ لَا شَيْءَ فِيهَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الرِّطَابِ وَبَزْرُهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا وَكَذَلِكَ فِي الثِّمَارِ قَالَ: لَا شَيْءَ فِي الْكُمِّثْرَى وَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَالْإِجَّاصِ وَمَا يُجَفَّفُ مِنْهَا لَا يَعْتَبِرُ وَأَوْجَبْنَا فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ الْعُشْرَ وَفِي الْفُسْتُقِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ الْعُشْرُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجِبُ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْعُشْرُ يَجِبُ فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْخَارِجِ وَكَثِيرِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ لِعُمُومِ الْحَدِيثَيْنِ كَمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ النِّصَابَ فِي أَمْوَالِ الزَّكَاةِ كَانَ مُعْتَبَرٌ لِحُصُولِ صِفَةِ الْغِنَى لِلْمَالِكِ بِهَا، وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِإِيجَابِ الْعُشْر فَإِنَّ أَصْلَ الْمَالِ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ فَهُوَ وَخُمُسُ الرِّكَازِ سَوَاءٌ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَسْقِ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا فَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَلْفٌ وَمِائَتَا مَنٍّ وَاحْتَجَّا فِيهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ فَقِيمَةُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَا: هَذَا حَقٌّ مَالِيٌّ وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ كَالزَّكَاةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ تَافِهٌ عَادَةً، وَهُوَ عَفْوٌ شَرْعًا وَمُرُوءَةً وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: الْعُشْرُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَبِاعْتِبَارِ الْخَارِجِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ تَصِيرُ الْأَرْضُ نَامِيَةً فَيَجِبُ الْعُشْرُ كَمَا يَجِبُ الْخَرَاجُ، ثُمَّ الْمَذْهَبُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ مَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِيهِ بِالْبَيْعِ بِضَمِّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ وَمَا لَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِيهِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لَا يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَيُعْتَبَرُ كَمَالُ النِّصَابِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالسَّوَائِمِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْكُلَّ إذَا أَدْرَكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ وُجُوبُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>