للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا بَائِعًا اشْتَرَى مِنْهُ مَا تَكُونُ مَالِيَّتُهُ مِثْلَ مَا أَعْطَاهُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ فِي مِلْكِهِ مَا يَقُومُ مَقَامَ مَا يُخْرِجُهُ فِي تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ بِهِ؛ فَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ الْعَامِلُ بِهِ، وَلَكِنْ لَمَّا ثَبَتَ حَقُّهُ بِسَبَبٍ لَا مُحَابَاةَ فِيهِ وَلَا تُهْمَةَ كَانَ هُوَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ حِصَّتُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ فَإِنَّمَا يَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي الْخَارِجِ بِمِقْدَارِ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ حِينَ اسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ وَصِيَّةً لَهُ وَلَا وَصِيَّةَ مَعَ الدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْجَارِيَةِ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيمَا ثَبَتَ لَهُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا مِنْ الْفَرْقِ، بَيْنَمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا حِينَ قَبَضَهَا مِثْلَ أَجْرِ مِثْلِهِ فِي خِدْمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا تُشْبِهُ الْمُزَارَعَةُ فِي هَذَا الْمُضَارَبَةَ؛ فَإِنَّ الْمَرِيضَ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لِلْمُضَارِبِ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الرِّبْحِ وَرَبِحَ عَشَرَةَ آلَافٍ ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ وَأَجْرُ مِثْلِ الْمُضَارِبِ فِي عَمَلِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يَأْخُذُونَ رَأْسَ الْمَالِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ عَلَى الشَّرْطِ، وَلَا يُنْظَرُ فِي هَذَا إلَى أَجْرِ مِثْلِهِ لِأَنَّ هُنَاكَ رَأْسُ الْمَالِ قَدْ رَجَعَ إلَى وَرَثَتِهِ، وَالرِّبْحُ بِمَالٍ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ. [أَلَا تَرَى] أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ بِأَنْ أَقْرِضَ الْمَالُ مِنْهُ كَانَ صَحِيحًا؟ فَفِي اشْتِرَاطِهِ بَعْضَ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةٌ لِغُرَمَائِهِ وَوَرَثَتِهِ.

وَالْبَذْرُ فِي الْمُزَارَعَةِ لَيْسَ يَرْجِعُ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا يَكُونُ جَمِيعُ الْخَارِجِ بَيْنَهُمَا؛ فَيَكُونُ تَصَرُّفُ الْمَرِيضِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غُرَمَائِهِ وَوَرَثَتِهِ، وَلَوْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ رَأْسُ مَالِهِ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا لَكُنَّا نُجَوِّزُ ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا نُجَوِّزُهُ فِي الْمُضَارَبَةِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إلَى قِيمَةِ الْبَذْرِ وَيُقَابَلَ ذَلِكَ بِأَجْرِ مِثْلِهِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْخَارِجِ. قُلْنَا: إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ مَا يُوجِبُهُ لِلْمُزَارِعِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْبَذْرِ إنَّمَا يُوجِبُ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الْخَارِجِ؛ فَلِهَذَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ مَا يُوجِبُهُ لَهُ وَإِلَى أَجْرِ مِثْلِهِ.

وَإِذَا دَفَعَ الصَّحِيحُ إلَى مَرِيضٍ أَرْضًا لَهُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا هَذِهِ السَّنَةَ بِبَذْرِهِ فَمَا خَرَجَ مِنْهَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَزَرَعَهَا الْمَرِيضُ بِبَذْرِهِ مِنْ قِبَلِهِ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَأَخْرَجَتْ زَرْعًا كَثِيرًا ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى حِصَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ مِمَّا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ يَوْمَ صَارَ الزَّرْعُ مُتَقَوِّمًا، كَمْ قِيمَتُهُ؟ لِأَنَّ الْمَرِيضَ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ هُنَا بِمَا أَوْجَبَ لِصَاحِبِهَا مِنْ الْحِصَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ حِصَّتُهُ يَوْمَئِذٍ مِثْلَ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ أَوْ أَقَلَّ فَإِنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ فِيهَا وَلَا مُحَابَاةَ، وَقَدْ تَمَّ مِلْكُ رَبِّ الْأَرْضِ فِي نَصِيبِهِ، ثُمَّ الزِّيَادَةُ حَادِثَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مِلْكِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ قَابِضٌ لِنَصِيبِهِ بِاتِّصَالِهِ بِأَرْضِهِ أَوْ بِكَوْنِهِ فِي يَدٍ أَمِينَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ أَمِينٌ فِي نَصِيبِ رَبِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>