للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ قِيمَتِهِ فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُ أَحْوَالِ إمْكَانِ التَّقَوُّمِ فِيهِ، كَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْجَنِينِ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ يَضْمَنُ لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُعْتَبَرًا بِمَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ. قَالَ: وَإِنَّمَا هَذَا مِثْلُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ فِي مَرَضِهِ رَجُلًا لِيَخْدُمَهُ سَنَتَهُ بِجَارِيَةٍ لَهُ بِعَيْنِهَا لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، وَخَدَمَهُ الرَّجُلُ السَّنَةَ كُلَّهَا وَوَلَدَتْ الْجَارِيَةُ وَزَادَتْ فِي بَدَنِهَا، ثُمَّ صَارَتْ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ الرَّجُلِ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ؛ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ وَقَبَضَهَا الْأَجِيرُ مِثْلَ أَجْرِ مِثْلِهِ أَوْ أَقَلَّ كَانَتْ لَهُ بِزِيَادَتِهَا لِأَنَّهُ لَا مُحَابَاةَ فِيهَا وَلَا وَصِيَّةَ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهَا وَقْتَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمئِذٍ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ فَإِنَّهُ يُعْطَى الْأَجْرَ مِنْهَا مِقْدَارَ أَجْرِ مِثْلِهِ وَثُلُثَ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا وَصِيَّةً لَهُ وَيَرُدُّ قِيمَةَ الْبَقِيَّةِ عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهَا مَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِطَرِيقِ الْمُحَابَاةِ فَلَا تَكُونُ سَالِمَةً لِلْأَجِيرِ، وَتَبْقَى مَوْقُوفَةً عَلَى حَقِّ الْمَرِيضِ فَيَثْبُتُ حَقُّهُ فِي الزِّيَادَةِ مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً، فَلَا يَسْلَمُ لِلْأَجِيرِ مِنْهَا إلَّا مِقْدَارُ أَجْرِ مِثْلِهِ وَثُلُثُ التَّرِكَةِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهَا وَمِنْ وَلَدِهَا بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ، إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ لِمَكَانِ الزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ فِي يَدِهِ بَعْدَ مَا يَمْلِكُهَا فَرَدَّ قِيمَةَ الزِّيَادَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا يَمْلِكُهَا بِالْقَبْضِ بِحُكْمِ سَبَبٍ فَاسِدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ عَيْنَهَا مَعَ الزِّيَادَةِ. قُلْنَا: لَا كَذَلِكَ بَلْ كَانَ السَّبَبُ صَحِيحًا يَوْمئِذٍ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ فِيمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ نُفُوذِهِ يَكُونُ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهِ، ثُمَّ يُنْقَضُ بَعْدَ مَوْتِهِ مَا يَتَعَذَّرُ تَنْفِيذُهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا النَّقْضِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْوَرَثَةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِرَدِّ قِيمَةِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي رَدِّ الْعَيْنِ إلَّا ضَرَرُ التَّبْعِيضِ عَلَى الْأَجِيرِ لَكَانَ ذَلِكَ كَافِيًا فِي تَحَوُّلِ حَقِّهِمْ إلَى الْقِيمَةِ. وَإِنْ كَانَ الْمُزَارِعُ وَارِثَ الْمَرِيضِ كَانَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ». فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ نَصِيبِهِ أَجْرَ مِثْلِ الْمُزَارِعِ أَوْ أَقَلَّ حِينَ نَبَتَ الزَّرْعُ وَصَارَتْ لَهُ قِيمَةٌ - فَجَمِيعُ الْمَشْرُوطِ سَالِمٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ فَإِنَّمَا يَسْلَمُ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ مِقْدَارُ أَجْرِ مِثْلِهِ حِينَ اسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ، وَالْبَاقِي كُلُّهُ مِيرَاثٌ عَنْ الْمَيِّتِ. وَإِنْ كَانَ الْمُزَارِعُ أَجْنَبِيًّا وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ كَانَ الْمُزَارِعُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ مِنْ الْحِصَّةِ فِي الزَّرْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قِيمَةِ حِصَّتِهِ حِينَ صَارَ مُتَقَوِّمًا زِيَادَةٌ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ فَقَدْ صَحَّ تَسْمِيَةُ حِصَّتِهِ لَهُ فِي الْكُلِّ، وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ ذَلِكَ تَكُونُ زِيَادَةً عَلَى مِلْكِهِ، إلَّا أَنَّ عَيْنَ ذَلِكَ لَا تَسْلَمُ لَهُ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَمْلِكُ تَخْصِيصَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>