فِي الْأَجْرِ وَالْمُزَارَعَةُ كَالْبَيْعِ تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ. هَكَذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ: النِّكَاحُ يَهْدِمُ الشَّرْطَ، وَالشَّرْطُ يَهْدِمُ الْبَيْعَ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: التَّسْمِيَةُ صَحِيحَةٌ، وَصَدَاقُهَا أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ، وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ ذَلِكَ بِأَجْرِ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَحِينَئِذٍ لَهَا أَجْرُ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ بَذْلُ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ بِمُقَابَلَةِ نِصْفِ الْخَارِجِ، وَبِمُقَابَلَةِ نِصْفِهَا فَإِنَّ الْمَشْرُوطَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ مِلْكُ النِّكَاحِ وَنِصْفُ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِهَا، فَإِنَّمَا تَتَوَزَّعُ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ - كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْمُقَابَلَةِ - وَنِصْفُ الْخَارِجِ مَجْهُولٌ أَصْلًا وَجِنْسًا وَقَدْرًا؛ فَكَانَ مَا يُقَابِلُ الْبُضْعَ مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مَجْهُولًا أَيْضًا جَهَالَةَ التَّسْمِيَةِ.
وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ؛ فَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بِثَوْبٍ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ بِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهَا، يَكُونُ صَدَاقُهَا مَنْفَعَةَ جَمِيعِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِهِ بِمُقَابَلَةِ سِنِينَ كَانَتْ بِمُقَابَلَةِ أَحَدِهِمَا أَرْضَى؛ فَلِهَذَا لَا يُجَاوِزُ بِالصَّدَاقِ أَجْرَ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ. وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: الِانْقِسَامُ بَيْنَ الْبُضْعِ وَنِصْفِ الْخَارِجِ بِاعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ؛ فَيَتَوَزَّعُ نِصْفَيْنِ - كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْمُقَاسَمَةِ بَيْنَ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْلُومِ - بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلِلْمَسَاكِينِ، كَانَ لِفُلَانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ، فَهُنَا أَيْضًا يَكُونُ الصَّدَاقُ مَنْفَعَةَ نِصْفِ الْأَرْضِ، وَالْمَنْفَعَةُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حُكْمِ الصَّدَاقِ، فَتَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَيَلْزَمُ تَسْلِيمُ مَنْفَعَةِ نِصْفِ الْأَرْضِ إلَيْهَا، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لِفَسَادِ الْمُزَارَعَةِ؛ فَيَكُونُ لَهَا أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ. فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، كَانَ لَهَا - فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَهُوَ رُبُعُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ. وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهَا الْمَنْفَعَةُ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ.
وَإِنْ زَرَعْت الْمَرْأَةُ زَرْعًا فَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ، فَجَمِيعُ الْخَارِجِ لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهَا، وَعَلَيْهَا - فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - نِصْفُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ، وَلَا صَدَاقَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا اسْتَوْفَتْ مَنْفَعَةَ جَمِيعِ الْأَرْضِ، وَنِصْفُ ذَلِكَ صَدَاقُهَا، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ اسْتَوْفَتْهُ بِحُكْمِ مُزَارَعَةٍ فَاسِدَةٍ؛ فَعَلَيْهَا أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهَا أَجْرُ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ؛ فَيَتَقَاصَّانِ وَيَتَرَادَّانِ فَضْلًا إنْ كَانَ. وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ دَفَعَ أَرْضًا وَبَذْرًا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ وَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ، وَلِلْمَرْأَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ شَرَطَ لَهَا نِصْفَ الْخَارِجِ بِمُقَابَلَةِ الْبُضْعِ وَبِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ، وَالْخَارِجُ مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ، وَوُجُودُ أَصْلِهِ عَلَى خَطَرٍ؛ فَلَمْ يَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ صَدَاقًا، فَكَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْجِنْسِ، أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمَشْرُوطُ بِمُقَابَلَةِ الْبُضْعِ بَعْضَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute