الْخَارِجِ فَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَمَتَى كَانَ الْمَشْرُوطُ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ أَوْ مَنْفَعَةَ الْعَامِلِ بِمُقَابَلَةِ الْبُضْعِ فَفِي صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ اخْتِلَافٌ - كَمَا بَيَّنَّا - حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَرْضَهَا لِيَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ بِالنِّصْفِ - فَلِلْمَرْأَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ شَرَطَ لَهَا نِصْفَ الْخَارِجِ بِمُقَابَلَةِ بُضْعِهَا وَمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَرْضَهَا وَبَذْرًا مَعَهَا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ - فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّهَا شَرَطَتْ عَمَلَ الزَّوْجِ بِمُقَابَلَةِ بُضْعِهَا وَنِصْفِ الْخَارِجِ؛ فَيَكُونُ الصَّدَاقُ نِصْفَ عَمَلِ الزَّوْجِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا بَيَّنَّا. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا نَخْلًا مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ - فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ شَرَطَ لَهَا نِصْفَ الْخَارِجِ بِمُقَابَلَةِ بُضْعِهَا وَعَمَلِهَا. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ دَفَعْت إلَيْهِ نَخْلًا مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ - فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الْتَزَمَ الْعَمَلَ بِمُقَابَلَةِ بُضْعِهَا وَنِصْفِ الْخَارِجِ.
فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ فِي النِّكَاحِ، وَسِتٌّ أُخْرَى فِي الْخُلْعِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ. فَالْمَرْأَةُ فِي الْخُلْعِ بِمَنْزِلَةِ الزَّوْجِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ بَذْلَ الْخُلْعِ عَلَيْهَا لَهُ، فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرْنَا فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ يَكُونُ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا فَفِي الْخُلْعِ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُتَقَوَّمُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ بِاعْتِبَارِ رَدِّ الْمَقْبُوضِ. وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْمَسَائِلُ السِّتُّ فِي الصُّلْحِ مِنْ جِنَايَةِ الْعَهْدِ، إلَّا أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الْوَاجِبُ فِي النِّكَاحِ صَدَاقَ مِثْلِهَا - فَفِي الصُّلْحِ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ الْوَاجِبِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ بَذْلَ النَّفْسِ هُوَ الدِّيَةُ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ فِي الصُّلْحِ بِمَنْزِلَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي النِّكَاحِ. وَأَمَّا كُلُّ جِنَايَةٍ لَيْسَ فِيهَا قِصَاصٌ أَوْ جِنَايَةٌ خَطَأٌ وَقَعَتْ عَلَى الصُّلْحِ عَنْهَا عُقْدَةٌ مُزَارَعَةً أَوْ مُعَامَلَةً عَلَى مَا وَصَفْنَا - فَإِنَّ الْعَقْدَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَاسِدٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ عَنْ مَالٍ عَلَى مَالٍ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا تَبْطُلُ الْمُزَارَعَةُ، فَاشْتِرَاطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ يُفْسِدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. فَأَمَّا الْعِتْقُ عَلَى شَرْطِ الْمُزَارَعَةِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ - فَعَلَى الْعَبْدِ فِيهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يُزِيلُ عَنْ مِلْكِهِ فِي الْعِتْقِ مَالًا مُتَقَوِّمًا، فَعِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ يَكُونُ رُجُوعُهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ.
وَلَا يَدْخُلُ هُنَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - عَلَى قِيَاسِ جَعْلِ الْعِتْقِ إذَا كَانَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَاسْتُحِقَّ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ التَّسْمِيَةَ كَانَتْ صَحِيحَةً وَهُنَا التَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ فَيَكُونُ هَذَا نَظِيرَ الْعِتْقِ عَلَى الْخَمْرِ. وَأَمَّا الْكِتَابَةُ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ مَعَ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ، وَهُوَ عَقْدٌ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ؛ فَاشْتِرَاطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ يُفْسِدُهُمَا جَمِيعًا. فَإِنْ عَمِلَهَا الْمُكَاتَبُ عَتَقَ إنْ خَرَجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute