للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ تَضْعِيفَ الْعُشْرِ عَلَيْهِمْ فِي الْأَرَاضِي الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ فِي الْأَصْلِ فَأَمَّا مَنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ مُسْلِمٍ فَعَلَيْهِ عُشْرٌ وَاحِدٌ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ مَا صَارَ مِنْ وَظِيفَةٍ لِلْأَرْضِ يُقَرَّرُ، وَلَا يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ فَإِنْ أَسْلَمَ عَلَيْهَا، أَوْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عُشْرٌ وَاحِدٌ. وَذَكَرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ هَذَا وَذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَتَأْوِيلُهُ مَا بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَرَاضِي الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ فِي الْأَصْلِ سَوَاءٌ أَسْلَمُوا عَلَيْهَا أَوْ بَاعُوهَا مِنْ مُسْلِمٍ يَجِبُ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَظِيفَةً لِهَذِهِ الْأَرْضِ أَمَّا أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ: تَضْعِيفُ الْعُشْرِ بِاعْتِبَارِ كُفْرِ الْمَالِكِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِإِسْلَامِهِ، أَوْ بَيْعِهِ مِنْ الْمُسْلِمِ فَهُوَ نَظِيرُ السَّوَائِمِ إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهَا التَّغْلِبِيُّ أَوْ بَاعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِ لَا يَجِبُ فِيهَا إلَّا صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: التَّضْعِيفُ عَلَى بَنِي تَغْلِبَ فِي الْعُشْرِ بِمَنْزِلَةِ الْخَرَاجِ حَتَّى يُوضَعُ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ وَبَعْدَ مَا صَارَتْ خَرَاجِيَّةٌ لَا تَتَبَدَّلُ بِإِسْلَامِ الْمَالِكِ، وَلَا بِبَيْعِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ فَهَذَا كَذَلِكَ بِخِلَافِ السَّوَائِمِ فَإِنَّهُ لَا وَظِيفَةَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ حَتَّى إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ التَّغْلِبِيِّ مِنْ الْكُفَّارِ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ فَعَرَفْنَا أَنَّ التَّضْعِيفَ فِيهَا كَانَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِكِ فَيَسْقُطُ بِتَبَدُّلِ الْمَالِكِ، أَوْ بِتَبَدُّلِ حَالِهِ بِالْإِسْلَامِ.

أَمَّا بَيَانُ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجِيَّةِ فَنَقُولُ أَرْضُ الْعَرَبِ كُلُّهَا أَرْضٌ عُشْرِيَّةٌ وَحَدُّهَا مِنْ الْعُذَيْبِ إلَى مَكَّةَ وَمِنْ عَدَنِ أَبْيَنَ إلَى أَقْصَى حَجَرٍ بِالْيَمَنِ بِمُهْرَةٍ وَكَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ تَكُونَ أَرْضُ مَكَّةَ أَرْضَ خَرَاجٍ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَحَهَا عَنْوَةً وَقَهْرًا وَلَكِنَّهُ لَمْ يُوَظِّفْ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ فَكَمَا لَا رِقَّ عَلَى الْعَرَبِ لَا خَرَاجَ عَلَى أَرْضِهِمْ وَكُلُّ بَلْدَةٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا فَهِيَ أَرْضٌ عُشْرِيَّةٌ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْوَظِيفَةِ فِيهَا عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمُ لَا يُبْدَأُ بِالْخَرَاجِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ مَعْنَى الصِّغَارِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْعُشْرُ وَكُلُّ بَلْدَةٍ افْتَتَحَهَا الْإِمَامُ عَنْوَةً وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَهِيَ أَرْضٌ عُشْرِيَّةٌ لِمَا بَيَّنَّا وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ إذَا جَعَلَ دَارِهِ بُسْتَانًا، أَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ أَرْضٌ عُشْرِيَّةٌ وَفِي النَّوَادِرِ ذُكِرَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرَاضِي تَقْرُبُ مِنْ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ بِالْقُرْبِ مِنْ الْأَرَاضِي الْخَرَاجِيَّةِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ؛ لِأَنَّ لِلْقُرْبِ عِبْرَةً أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يَقْرُبُ مِنْ الْقَرْيَةِ لَيْسَ لِأَحَدٍ إحْيَاؤُهَا لِحَقِّ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، وَالْمَرْءُ أَحَقُّ بِالِانْتِفَاعِ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ السَّمَاءِ، أَوْ عَيْنٍ اسْتَنْبَطَهَا، أَوْ نَهْرٍ شَقَّهُ لَهَا مِنْ الْأَوْدِيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>