الْعِظَامِ كَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ وَجَيْحُونَ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ وَإِنْ شَقَّ لَهَا نَهْرًا مِنْ بَعْضِ الْأَنْهَارِ الْخَرَاجِيَّةِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَا يُوَظَّفُ عَلَى الْمُسْلِمِ إلَّا بِالْتِزَامِهِ فَإِذَا سَاقَ إلَى أَرْضِهِ مَاءَ الْخَرَاجِ فَهُوَ مُلْتَزِمٌ لِلْخَرَاجِ فَيَلْزَمُهُ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا أَرْضُ السَّوَادِ وَالْجَبَلِ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ وَحْدُ السَّوَادِ مِنْ الْعُذَيْبِ إلَى عَقَبَةَ حُلْوَانَ وَمِنْ الثَّعْلَبِيَّةِ إلَى عَبَّادَانَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ فَتَحَ السَّوَادَ وَظَّفَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ وَبَعَثَ لِذَلِكَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ.
(قَالَ): وَكُلُّ بَلْدَةٍ فَتَحَهَا الْإِمَامُ عَنْوَةً وَقَهْرًا، ثُمَّ مَنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْوَظِيفَةِ فِيهَا عَلَى الْكَافِرِ، وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُمَا صَدَقَةٌ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَيُوَظَّفُ الْخَرَاجُ عَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرَاضِي تَبَعٌ لِخَرَاجِ الْجَمَاجِمِ، وَالذِّمِّيُّ إذَا جَعَلَ دَارِهِ بُسْتَانًا، أَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ فِيهَا الْخَرَاجُ لِمَا بَيَّنَّا.
(قَالَ): وَإِذَا قَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ: قَدْ أَدَّيْت الْعُشْرَ إلَى الْمَسَاكِينِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ فِيهِ إلَى السُّلْطَانِ فَكَانَ نَظِيرُ زَكَاةِ السَّوَائِمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
(قَالَ): وَإِنْ وَضَعَ الْعُشْرَ، أَوْ الزَّكَاةَ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ السُّلْطَانَ وَسِعَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَصَارِفَ الْعُشْرِ وَالزَّكَاةِ مَا يُتْلَى فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] الْآيَةُ وَلِلنَّاسِ كَلَامٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ فَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْفَقِيرَ هُوَ الَّذِي لَا يَسْأَلُ وَالْمِسْكِينُ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْفُقَرَاءِ {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣] قِيلَ لَا إلْحَافًا، وَلَا غَيْرَ إلْحَافٍ وَفِي الْمِسْكِينِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: ٨] وَقَدْ جَاءَ يَسْأَلُ وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْفَقِيرَ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ وَيُظْهِرُ افْتِقَارَهُ وَحَاجَتَهُ إلَى النَّاسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ} [محمد: ٣٨] وَالْمِسْكِينُ هُوَ الَّذِي بِهِ زَمَانَةٌ لَا يَسْأَلُ، وَلَا يُعْطَى لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {، أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: ١٦] أَيْ لَاصِقًا بِالتُّرَابِ مِنْ الْجُوعِ وَالْعُرْي. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا أَنَّ الْمِسْكِينَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْفَقِيرُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ وَبَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ الْمِسْكِينَ أَسْوَأُ حَالًا قَالَ الْفَقِيرُ الَّذِي يَمْلِكُ شَيْئًا وَلَكِنْ لَا يُغْنِيه قَالَ الرَّاعِي
أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبْدُ
وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَمَنْ قَالَ الْفَقِيرُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ قَالَ: الْمِسْكِينُ مَنْ يَمْلِكُ مَالًا يُغْنِيَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: ٧٩] وَقَالَ الرَّاجِزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute