للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَلْ لَكَ فِي أَجْرٍ عَظِيمٍ تُؤْجَرُهْ ... تَغِيثُ مِسْكِينًا كَثِيرًا عَسْكَرُهْ

عَشْرُ شِيَاهٍ سَمْعُهُ وَبَصَرُهْ

وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مُشْتَقٌّ مِنْ انْكِسَارِ فَقَارِ الظَّهْرِ، وَالْحَدِيثُ يَشْهَدُ لِهَذَا، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمَّتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْخِلَافِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ أَمَّا الزَّكَاةُ فَيَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ عِنْدَنَا فَلَا يَظْهَرُ هَذَا الْخِلَافُ. وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، وَهُمْ الَّذِينَ يَسْتَعْمِلُهُمْ الْإِمَامُ عَلَى جَمْعِ الصَّدَقَاتِ وَيُعْطِيهِمْ مِمَّا يَجْمَعُونَ كِفَايَتَهُمْ وَكِفَايَةَ أَعْوَانِهِمْ، وَلَا يُقَدَّرُ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا فَرَّغُوا أَنْفُسَهُمْ لِعَمَلِ الْفُقَرَاءِ كَانَتْ كِفَايَتُهُمْ فِي مَالِهِمْ، وَلِهَذَا يَأْخُذُونَ مَعَ الْغِنَى، وَلَوْ هَلَكَ مَا جَمَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا سَقَطَ حَقُّهُمْ كَالْمُضَارِبِ إذَا هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ فِي يَدِهِ بَعْدَ التَّصَرُّفِ، وَكَانَتْ الزَّكَاةُ مُجْزِيَةً عَنْ الْمُؤَدِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ نَائِبُونَ عَنْ الْفُقَرَاءِ بِالْقَبْضِ. وَأَمَّا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ فَكَانُوا قَوْمًا مِنْ رُؤَسَاءِ الْعَرَبِ كَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ وَكَانَ يُعْطِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفَرْضِ اللَّهِ سَهْمًا مِنْ الصَّدَقَةِ يُؤَلِّفُهُمْ بِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقِيلَ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا وَقِيلَ كَانُوا وَعَدُوا أَنْ يُسْلِمُوا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ وَهُمْ كُفَّارٌ قُلْنَا الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَغْنِيَاءِ لِدَفْعِ شَرِّ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ يَدْفَعُ إلَيْهِمْ جُزْءًا مِنْ مَالِ الْفُقَرَاءِ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ وَذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْجِهَادِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، ثُمَّ سَقَطَ ذَلِكَ السَّهْمُ بِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ انْقَضَى الرَّشَا بِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى أَنَّهُمْ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - استَبْذَلُوا الْخَطَّ لِنَصِيبِهِمْ فَبَذَلَ لَهُمْ وَجَاءُوا إلَى عُمَرَ فَاسْتَبْذَلُوا خَطَّهُ فَأَبَى وَمَزَّقَ خَطَّ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كَانَ يُعْطِيكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأْلِيفًا لَكُمْ وَأَمَّا الْيَوْمُ فَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الدِّينَ فَإِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ السَّيْفُ فَعَادُوا إلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ الْخَلِيفَةُ أَمْ عُمَرَ بَذَلْت لَنَا الْخَطَّ وَمَزَّقَهُ عُمَرُ فَقَالَ: هُوَ إنْ شَاءَ وَلَمْ يُخَالِفْهُ.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: ٦٠] فَالْمُرَادُ إعَانَةُ الْمُكَاتَبِينَ عَلَى أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِصَرْفِ الصَّدَقَةِ إلَيْهِمْ عِنْدَنَا. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُرَادُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالصَّدَقَةِ عَبْدًا فَيَعْتِقَهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَمَا يَأْخُذُهُ بَائِعُ الْعَبْدِ عِوَضٌ عَنْ مِلْكِهِ، وَالْعَبْدُ يَعْتِقُ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى فَلَا يُوجَدُ التَّمْلِيكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>