للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ أَيْ رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ فَقَالَ: فُكَّ الرَّقَبَةَ وَأَعْتِقْ النَّسَمَةَ قَالَ: أَوَ لَيْسَا سَوَاءً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا، فَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي عِتْقِهِ». وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: ٦٠] فَهُمْ الْمَدْيُونُونَ الَّذِينَ لَا يَمْلِكُونَ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْمُرَادُ مَنْ تَحَمَّلَ غَرَامَةً فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإِطْفَاءِ الثَّائِرَةِ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٦٠] فَهُمْ فُقَرَاءُ الْغُزَاةِ هَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُمْ فُقَرَاءُ الْحَاجِّ الْمُنْقَطِعِ بِهِمْ. لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ بَعِيرًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ الْحَاجُّ» وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: الطَّاعَاتُ كُلُّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ عِنْدَ إطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ الْمَقْصُودُ بِهِمْ الْغُزَاةُ عِنْدَ النَّاسِ.

وَلَا يُصْرَفُ إلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنْ الْغُزَاةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى» وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ الْغِنَى بِقُوَّةِ الْبَدَنِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ إنَّمَا تَكُونُ بِالْبَدَنِ لَا بِمِلْكِ الْمَالِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ «وَرَدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ». وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَهُوَ الْمُنْقَطِعُ عَنْ مَالِهِ لِبُعْدِهِ مِنْهُ وَالسَّبِيلُ الطَّرِيقُ فَكُلُّ مَنْ يَكُونُ مُسَافِرًا عَلَى الطَّرِيقِ يُسَمَّى ابْنَ السَّبِيلِ كَمَنْ يَكُونُ فَقِيرًا، أَوْ غَنِيًّا يُسَمَّى ابْنَ الْفَقْرِ وَابْنَ الْغِنَى، وَابْنُ السَّبِيلِ غَنِيٌّ مِلْكًا حَتَّى تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِ وَيُؤْمَرَ بِالْأَدَاءِ إذَا وَصَلَتْ يَدُهُ إلَيْهِ، وَهُوَ فَقِيرٌ يَدًا حَتَّى تُصْرَفَ إلَيْهِ الصَّدَقَةُ لِلْحَالِ لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ مَصَارِفُ الصَّدَقَاتِ لَا مُسْتَحِقُّونَ لَهَا عِنْدَنَا حَتَّى يَجُوزَ الصَّرْفُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هُمْ مُسْتَحِقُّونَ لَهَا حَتَّى لَا تَجُوزَ مَا لَمْ تُصْرَفْ إلَى الْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةٌ وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ وَبِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ فِي الصَّدَقَاتِ بِقِسْمَةِ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ حَتَّى تَوَلَّى قِسْمَتَهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرَقْعَةً» وَاعْتَبَرَ أَمْرُ الشَّرْعِ بِأَمْرِ الْعِبَادِ فَإِنَّ مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ لَمْ يَجُزْ حِرْمَانُ بَعْضِهِمْ فَكَذَلِكَ فِي أَمْرِ الشَّرْعِ.

(وَلَنَا) قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢٧١]. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» وَبَعَثَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِصَدَقَةٍ إلَى بَيْتِ أَهْلِ رَجُلٍ وَاحِدٍ هَكَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ إغْنَاءُ الْمُحْتَاجِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالصَّرْفِ إلَى وَاحِدٍ، وَبِهِ فَارَقَ أَوَامِرَ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا اللَّفْظُ دُونَ الْمَعْنَى فَقَدْ تَقَعُ خَالِيَةً عَنْ حِكْمَةٍ حَمِيدَةٍ بِخِلَافِ أَوَامِرِ الشَّرْعِ أَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>