مِنْ التَّعَنُّتِ شَرْعًا.
، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ بُقَعِ الْمَاءِ» يَعْنِي الْمُسْتَنْقَعَ فِي الْحَوْضِ، وَبِهِ نَأْخُذُ فَإِنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكٌ فَيَسْتَدْعِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا، وَالْمَاءُ فِي الْحَوْضِ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَلِظَاهِرِ الْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الشِّرْبِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ مَا يَجْرِي فِي النَّهْرِ الْخَاصِّ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِلشُّرَكَاءِ، وَالْبَيْعُ لَا يَسْبِقُ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لِلشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ الْخَاصِّ حَقُّ الِاخْتِصَاصِ بِالْمَاءِ مِنْ حَيْثُ سَقْيُ النَّخِيلِ، وَالزَّرْعِ، وَلِصَاحِبِ الْمُسْتَنْقَعِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَبَيْعُ الْحَقِّ لَا يَجُوزُ، وَعَنْ الْهَيْثَمِ أَنَّ قَوْمًا، وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ فَقَالُوا لَهُمْ: إنَّ أَعْنَاقَنَا، وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ تُقْطَعُ، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ فَهَلَّا، وَضَعْتُمْ فِيهِمْ السِّلَاحَ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُمْ إذَا مَنَعُوهُمْ لِيَسْتَقُوا الْمَاءَ مِنْ الْبِئْرِ فَلَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ بِالسِّلَاحِ فَإِذَا خَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَوْ عَلَى ظُهُورِهِمْ مِنْ الْعَطَشِ كَانَ لَهُمْ فِي الْبِئْرِ حَقُّ السَّعَةِ، فَإِذَا مَنَعُوا حَقَّهُمْ، وَقَصَدُوا إتْلَافَهُمْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَعَنْ ظُهُورِهِمْ كَمَا لَوْ قَصَدُوا قَتْلَهُمْ بِالسِّلَاحِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَاءُ مُحْرَزًا فِي إنَاءٍ فَلَيْسَ لِلَّذِي يَخَافُ الْهَلَاكَ مِنْ الْعَطَشِ أَنْ يُقَاتِلَ صَاحِبَ الْمَاءِ بِالسِّلَاحِ عَلَى الْمَنْعِ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ مِنْهُ فَيُقَاتِلُهُ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ سِلَاحٍ، وَكَذَلِكَ فِي الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُحْرَزٌ لِصَاحِبِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الْآخِذُ ضَامِنًا لَهُ فَإِذَا جَازَ لَهُ أَخْذُهُ لِحَاجَتِهِ فَالْمَانِعُ يَكُونُ دَافِعًا عَنْ مَالِهِ.
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» فَكَيْفَ يُقَاتِلُ مَنْ إذَا قَتَلَهُ كَانَ شَهِيدًا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَمَّا الْبِئْرُ مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِصَاحِبِ الْبِئْرِ فَلَا يَكُونُ هُوَ فِي الْمَنْعِ دَافِعًا عَنْ مِلْكِهِ، وَلَكِنَّهُ مَانِعٌ عَنْ الْمُضْطَرِّ حَقَّهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ، وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يُقَاتِلَ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَاء مَأْمُورٌ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَدْفَعُ بِهِ الضَّرُورَةَ عَنْهُ فَهُوَ فِي الْمَنْعِ مُرْتَكِبٌ مَا لَا يَحِلُّ فَيُؤَدِّبُهُ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ سِلَاحٍ، وَلَيْسَ مُرَادُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُقَاتَلَةَ بِالسِّلَاحِ عَلَى مَنْعِ الدَّلْوِ فَإِنَّ الدَّلْوَ كَانَ مِلْكًا لَهُمْ.
وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ فَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ فَهَلَّا وَضَعْتُمْ فِيهِمْ السِّلَاحَ أَيْ رَهَنْتُمْ عِنْدَهُمْ مَا مَعَكُمْ مِنْ السِّلَاحِ لِيَطْمَئِنُّوا إلَيْكُمْ فَيُعْطُونَكُمْ الدَّلْوَ لَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ.
، وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ»، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَوَاتَ مِنْ الْأَرَاضِي يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ.
وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِي حَدِّ الْمَوَاتِ أَنْ يَقِفَ الرَّجُلُ فِي طَرَفِ الْعُمْرَانِ فَيُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ فَإِلَى أَيِّ مَوْضِعٍ يَنْتَهِي صَوْتُهُ، يَكُونُ مِنْ فِنَاءِ الْعُمْرَانِ؛ لِأَنَّ سُكَّانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يَحْتَاجُونَ إلَى ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute