للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِرَعْيِ الْمَوَاشِي، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاتِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يَمْلِكُهَا بِالْإِحْيَاءِ بَعْدَ إذْنِ الْإِمَامِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ، وَمَلَّكَهَا مِمَّنْ أَحْيَاهَا أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهَا فَكُلُّ مَنْ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهَا، وَتَمَّ إحْرَازُهُ لَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا كَمَنْ أَخَذَ صَيْدًا، أَوْ حَطَبًا أَوْ حَشِيشًا أَوْ وَجَدَ مَعْدِنًا، أَوْ رِكَازًا فِي مَوْضِعٍ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ»، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ عَامًّا فَمِنْ أَصْلِهِ: أَنَّ الْعَامَ الْمُتَّفَقَ عَلَى قَبُولِهِ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْخَاصِّ.

وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا أَنَّ عَادِيَّ الْأَرْضِ هِيَ لِلَّهِ، وَرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنْ بَعْدُ» فَمَا كَانَ مُضَافًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالتَّدْبِيرُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ فَلَا يَسْتَبِدُّ أَحَدٌ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَشَارَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَرَاضِيَ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ صَارَتْ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ فَكَانَ ذَلِكَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَخْتَصَّ أَحَدٌ بِشَيْءٍ مِنْهُ دُونَ إذْنِ الْإِمَامِ كَالْغَنَائِمِ.

وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً» لِبَيَانِ السَّبَبِ، وَبِهِ نَقُولُ إنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ بَعْدَ إذْنِ الْإِمَامِ هُوَ الْإِحْيَاءُ، وَلَكِنَّ إذْنَ الْإِمَامِ شَرْطٌ، وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَنْفِي هَذَا الشَّرْطَ بَلْ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» إشَارَةٌ إلَى هَذَا الشَّرْطِ فَالْإِنْسَانُ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَالْأَخْذُ بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ فِي مَعْنَى عِرْقٍ ظَالِمٍ، وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» أَنَّ الرَّجُلَ إذَا غَرَسَ أَشْجَارًا فِي مِلْكِهِ فَخَرَجَتْ عُرُوقُهَا إلَى أَرْضِ جَارِهِ، أَوْ خَرَجَتْ أَغْصَانُهَا إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ أَرْضِ جَارِهِ بِتِلْكَ الْأَغْصَانِ وَالْعُرُوقِ الظَّالِمَةِ فَالظُّلْمُ عِبَارَةٌ عَنْ تَحْصِيلِ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ قِيلَ: الْمُرَادُ بِعِرْقٍ ظَالِمٍ أَنْ يَتَعَدَّى فِي الْإِحْيَاءِ مَا وَرَاءَ أَحَدِ الْمَوَاتِ فَيَدْخُلَ فِي حَقِّ الْغَيْرِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ بِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ حَقِّ الْغَيْرِ، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ وَالْمُرَادُ بِالْمُحَجَّرِ الْمُعَلَّمُ بِعَلَامَةٍ فِي مَوْضِعٍ، وَاشْتِقَاقُ الْكَلِمَةِ مِنْ الْحَجْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ فَإِنَّ مَنْ أَعْلَمَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاتِ عَلَامَةً فَكَأَنَّهُ مَنَعَ الْغَيْرَ مِنْ إحْيَاءِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَسُمِّيَ فِعْلُهُ تَحْجِيرًا.

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَرَّ بِمَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاتِ فَقَصَدَ إحْيَاءَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَوَضَعَ حَوْلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَحْجَارًا أَوْ حَصَدَ مَا فِيهَا مِنْ الْحَشِيشِ، وَالشَّوْكِ، وَجَعَلَهَا حَوْلَ ذَلِكَ فَمَنَعَ الدَّاخِلَ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا فَهَذَا تَحْجِيرٌ، وَلَا يَكُونُ إحْيَاءً إنَّمَا الْإِحْيَاءُ أَنْ يَجْعَلَهَا صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ بِأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>