للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشُّقَّةَ، وَالْخُفَّ، وَالْحَافِرَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَنْهَارِ كَالِانْتِفَاعِ بِالطُّرُقِ الْعَامَّةِ فَكَمَا لَا يَمْنَعُ أَحَدٌ أَحَدًا مِنْ التَّطَرُّقِ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَذَا النَّهْرِ الْعَظِيمِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي هَذِهِ الْأَنْهَارِ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقٌّ عَلَى الْخُصُوصِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَهْرِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ فَالِانْتِفَاعُ بِهِ كَالِانْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ شِرْبُ أَرْضِهِمْ، وَنَخْلِهِمْ، وَشَجَرِهِمْ، لَا يُحْبَسُ عَنْ أَحَدٍ دُونَ أَحَدٍ، وَإِنْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يُكْرِيَ مِنْهُ نَهْرًا فِي أَرْضِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالنَّهْرِ الْأَعْظَمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِهِ فَلَهُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّطَرُّقِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَكَذَلِكَ فِي النَّهْرِ الْأَعْظَمِ فَإِنَّ كَسْرَ ضِفَّةِ النَّهْرِ الْأَعْظَمِ رُبَّمَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ ضَرَرًا عَامًّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَاءَ يُفِيضُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ» فِي الْإِسْلَامِ، وَعِنْدَ خَوْفِ الضَّرَرِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَعَلَى السُّلْطَانِ كِرَاءُ هَذَا النَّهْرِ الْأَعْظَمِ إنْ احْتَاجَ إلَى الْكِرَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَاجَةِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِذَلِكَ فَإِنَّ مَالَ الْمُسْلِمِينَ أُعِدَّ لِلصَّرْفِ إلَى مَصَالِحِهِمْ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَالَ الْقَنَاطِرِ، وَالْجُسُورِ، وَالرِّبَاطَاتِ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا كِرَاءُ هَذَا النَّهْرِ الْأَعْظَمِ، وَكَذَلِكَ إصْلَاحُ مَسَنَّاتِهِ إنْ خَافَ مِنْهُ غَرَقًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ فَلَهُ أَنْ يُجْبِرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُحْرِجَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْعَامَّةِ فَفِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ عَامٌّ، وَالْإِمَامُ نُصِّبَ نَاظِرًا فَيَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ فِيمَا كَانَ الضَّرَرُ فِيهِ عَامًّا؛ لِأَنَّ الْعَامَّةَ قَلَّ مَا يُنْفِقُونَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إجْبَارٍ، وَفِي نَظِيرِهِ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ تُرِكْتُمْ لَبِعْتُمْ أَوْلَادَكُمْ، وَلَيْسَ هَذَا النَّهْرَ خَاصٌّ لِقَوْمٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ مِنْ نَهْرِهِمْ أَرْضَهُ، وَشَجَرَهُ، وَزَرْعَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَرِكَةٌ خَاصَّةٌ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِهِ الشُّفْعَةُ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ فِي الْوَادِي، وَالْأَنْهَارِ الْعِظَامِ فَإِنَّهُ لَا تُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ ثُمَّ فِي الشَّرِكَةِ الْخَاصَّةِ التَّدْبِيرُ فِي الْكِرَاءِ إلَيْهِمْ، وَمُؤْنَةُ الْكِرَاءِ عَلَيْهِمْ فِي مَالِهِمْ، وَإِنْ طَلَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُجْبِرَ الْبَاقِينَ عَلَى ذَلِكَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَأَمَّا إذَا اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ الْكِرَاءِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُجْبِرُهُمْ الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَوْ امْتَنَعُوا مِنْ عِمَارَةِ أَرَاضِيهمْ، وَدُورِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يُجْبِرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِحَقِّ أَصْحَابِ الشُّقَّةِ فِي النَّهْرِ.

قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَسَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الرَّجُلِ اسْتَأْجَرَ النَّهْرَ يَصِيدُ فِيهِ السَّمَكَ أَوْ اسْتَأْجَرَ جِهَةً يَصِيدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>