للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهَا السَّمَكَ قَالَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا الِاسْتِئْجَارِ مَا هُوَ عَيْنٌ، وَهُوَ السَّمَكُ؛ وَلِأَنَّ السَّمَكَ فِي النَّهْرِ وَالْأَجَمَةِ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ لَا اخْتِصَاصَ بِهِ لِصَاحِبِ النَّهْرِ وَالْأَجَمَةِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعِوَضَ عَنْهُمْ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ، وَالْبَيْعِ ثُمَّ اسْتِئْجَارُ النَّهْرِ لِصَيْدِ السَّمَكِ كَاسْتِئْجَارِ الْمَقَابِضِ لِلِاصْطِيَادِ فِيهَا، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ بَابِ الْغَرَرِ.

وَلَوْ اشْتَرَى عُشْرَ نَهْرٍ أَوْ عُشْرَ قَنَاةٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ عَيْنِ مَاءٍ بِأَرْضِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلَهَا مَمْلُوكَةٌ فَقَدْ اشْتَرَى جُزْءًا مَمْلُوكًا مَعْلُومًا مِنْ عَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى الشِّرْبَ بِغَيْرِ أَرْضِهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ عُشْرَ الطَّرِيقِ يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ حَقَّ التَّطَرُّقِ فِيهِ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ حَوْضًا أَوْ بِرْكَةً أَوْ بِئْرًا يَسْتَقِي مِنْهُ الْمَاءَ كُلَّ شَهْرٍ بِأَجْرٍ مُسَمًّى لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَاءُ، وَهُوَ عَيْنٌ لَا يَسْتَحِقُّ إتْلَافَهُ بِالْإِجَارَةِ.

نَهْرٌ جَارٍ لِرَجُلٍ فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمُسَنَّاةَ، وَلَا يُعْرَفُ فِي يَدِ مَنْ هِيَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ لِرَبِّ الْأَرْضِ يَغْرِسُ فِيهَا مَا بَدَا لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْمُسَنَّاةُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ حَفَرَ نَهْرًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فِي مَوْضِعٍ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَسْتَحِقُّ لَهُ حَرِيمًا وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّ لَهُ حَرِيمًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِمُلْقَى طِينِهِ، وَالْمَشْيُ عَلَيْهِ لِإِجْرَاءِ الْمَاءِ فِي النَّهْرِ، وَحَرِيمُ النَّهْرِ عِنْدَهُمَا بِقَدْرِ عَرْضِ النَّهْرِ حَتَّى إذَا كَانَ قَدَّرَ عَرْضَ النَّهْرِ بِقَدْرِ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَلَهُ مِنْ الْحَرِيمِ بِقَدْرِ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا، وَفِي اخْتِيَارِ الطَّحَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ذِرَاعٌ، وَنِصْفٌ فِيمَا نَقَلَ عَنْهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ بِقَدْرِ عَرْضِ النَّهْرِ عِنْدَهُمَا فَاسْتِحْقَاقُ الْحَرِيمِ لِأَجَلِ الْحَاجَةِ، وَصَاحِبُ النَّهْرِ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ كَصَاحِبِ الْبِئْرِ، وَالْعَيْنِ، وَمَتَى كَانَ الْمَعْنَى فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مَعْلُومًا تَعَدَّى الْحُكْمَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى إلَى الْفَرْعِ، وَحَاجَةُ صَاحِبِ النَّهْرِ إلَى الْمَشْيِ عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ لِيُجْرِيَ الْمَاءَ فِي النَّهْرِ إذَا احْتَبَسَ بِشَيْءٍ وَقَعَ فِي النَّهْرِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْشِيَ فِي وَسَطِ النَّهْرِ، وَكَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى مَوْضِعٍ يُلْقِي فِيهِ الطِّينَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عِنْدَ الْكِرَاءِ لِمَا فِي النَّقْلِ إلَى أَسْفَلِهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ اسْتِحْقَاقُ الْحَرِيمِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ، وَجْهٍ، وَالنَّهْرُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْبِئْرِ، وَالْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْحَرِيمِ هُنَاكَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الْحَالِ، وَهُنَا الْحَاجَةُ مَوْهُومَةٌ بِاعْتِبَارِ الْكِرَاءِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، وَقَدْ لَا يَحْتَاجُ ثُمَّ هُنَاكَ الِانْتِفَاعُ لَا يَتَأَتَّى بِالْبِئْرِ بِدُونِ الْحَرِيمِ، وَهُنَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي أَنْ يُلْحِقَهُ ذَلِكَ بَعْضَ الْحَرَجِ فِي نَقْلِ الطِّينِ أَوْ الْمَشْيِ فِي، وَسَطِ النَّهْرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ يُؤْخَذُ فِيهِ بِأَصْلِ الْقِيَاسِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَنْ بَنَى قَصْرًا فِي مَغَارَةٍ لَا يَسْتَحِقُّ لِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>