مِنْ ذَلِكَ لِلْغُرَمَاءِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ أَوْ يُوهَبَ لَهُ أَوْ يُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَجْرِ فَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَرْضٌ فَيَجُوزُ مِنْ ثُلُثِهِ يُرِيدُ الْهِبَةَ أَوْ الصَّدَقَةَ أَوْ الْمُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ مِنْ ثُلُثِهِ.
قَالَ: وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَ فُلَانٍ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً مِنْ شِرْبِهِ أَجَزْت ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالشِّرْبِ كَالْوَصِيَّةِ بِالْغَلَّةِ الْمَجْهُولَةِ، وَذَلِكَ يَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَإِنْ مَاتَ الَّذِي لَهُ الْوَصِيَّةُ بَطَلَتْ، وَصِيَّتُهُ فِي الشِّرْبِ قَالَ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْخِدْمَةِ يَعْنِي إذَا أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشِّرْبَ كَالْمَنْفَعَةِ إلَّا أَنَّهَا مَجْهُولَةٌ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ، وَالْخِدْمَةُ تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ فَيَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْإِجَارَةِ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً فَيَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْوَصِيَّةِ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ فَكَذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الشِّرْبِ بِالْوَصِيَّةِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْمُوصَى لَهُ بِاعْتِبَارِ حَاجَتِهِ فَيَبْطُلُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَهُ فِيمَا كَانَ مِلْكًا أَوْ حَقًّا مُتَأَكِّدًا لَهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الشِّرْبِ كَمَا فِي الْخِدْمَةِ فَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشِرْبِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْمَسَاكِينِ إلَى الطَّعَامِ دُونَ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الشِّرْبِ مَنْ لَهُ أَرْضٌ، وَلَيْسَ لِلْمَسَاكِينِ ذَلِكَ، وَلَا بَدَلَ لِلشِّرْبِ حَتَّى يَصْرِفَ بَدَلَهُ إلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْبَيْعَ، وَالْإِجَارَةَ فَكَانَ بَاطِلًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ فِي حَيَاتِهِ: هُوَ صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَفَعَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِتَنْفِيذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ فِي عَيْنِ الشِّرْبِ، وَلَا فِي بَدَلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَرْضٌ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ، وَصِيَّتُهُ، وَنَذْرُهُ فَتَنْعَقِدُ - يَمِينُهُ فَإِذَا حَنِثَ يَجِبُ تَنْفِيذُهُ فِي التَّصَدُّقِ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَسْقِيَ مِسْكِينًا بِعَيْنِهِ فِي حَيَاتِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ عَيْنِهِ كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ - بِعَيْنٍ بِخِلَافِ مَا أَوْصَى بِهِ فِي الْمَسَاكِينِ فَتَصْحِيحُ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ بِاعْتِبَارِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَجْعَلُ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى لِيَكُونَ مَصْرُوفًا إلَى سَدِّ حَاجَةِ الْمُحْتَاجِينَ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِي الشِّرْبِ بِدُونِ الْأَرْضِ.
وَلَوْ بَاعَ الشِّرْبَ بِعَبْدٍ، وَقَبَضَ الْعَبْدَ، وَأَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ، وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْعَبْدِ فَاسِدٌ فَإِنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ يَكُونُ فَاسِدًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ تَسْمِيَةِ الشِّرْبِ، وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَيَنْفُذُ الْعِتْقُ فِيهِ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُ الْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَطِئَهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَعَقْرُهَا، وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَقْدَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَدْ قَالَ فِي الْبُيُوعِ فِي الْمُشْتَرَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute