للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شِرَاءً فَاسِدًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ عُقْرٌ فِي، وَطْئِهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ، وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالتَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَّرَهُ بِعَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْإِجَارَةِ إذَا كَانَ عَيْنًا فَهُوَ كَالْمَبِيعِ فَيَصِيرُ مَمْلُوكًا بِالْقَبْضِ، وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ فِيهِ، وَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ.

وَلَوْ ادَّعَى شِرْبًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَنَّهُ بِغَيْرِ أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الدَّعْوَى إعْلَامُ الْمُدَّعِي فِي الدَّعْوَى، وَالشَّهَادَةِ، وَالشِّرْبُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ، وَلِأَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالْمِلْكِ فِي الْمُدَّعَى إذَا أَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَالشِّرْبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِغَيْرِ أَرْضٍ فَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي فِيهِ الدَّعْوَى، وَالْخُصُومَةَ. كَالْخَمْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ يُقْبَلُ بِبَيِّنَةٍ، وَيَقْضِي لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الشِّرْبَ مَرْغُوبٌ فِيهِ، وَمُنْتَفَعٌ بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِ لِلْإِنْسَانِ مُنْفَرِدًا عَنْ الْأَرْضِ بِالْمِيرَاثِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَقَدْ يَبِيعُ الْأَرْضَ بِدُونِ الشِّرْبِ فَيَبْقَى لَهُ الشِّرْبُ، وَحْدَهُ فَإِذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الظُّلْمَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِ حَقِّهِ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ الْقَاضِي لَا يُمَلِّكُهُ بِالْقَضَاءِ شَيْئًا ابْتِدَاءً، وَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ، وَإِنَّمَا يَظْفَرُ بِقَضَاءِ حَقِّهِ أَوْ مِلْكِهِ، وَالشِّرْبُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِالدَّيْنِ بِالْحُجَّةِ، وَالدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ ابْتِدَاءً.

وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ أَرْضٌ، وَلِرَجُلٍ فِيهَا نَهْرٌ يَجْرِي فَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ لَا يُجْرِيَ النَّهْرَ فِي أَرْضِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ النَّهْرِ فِي يَدِ صَاحِبِ النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لَهُ بِإِجْرَاءِ مَائِهِ فِيهِ فَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا سَأَلْتُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّهْرَ لَهُ فَإِنْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ قَضَيْت بِهِ لَهُ لِإِثْبَاتِهِ حَقَّ نَفْسِهِ بِالْحُجَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى أَصْلِ النَّهْرِ، وَجَاءَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ كَانَ مَجْرَاهُ فِي هَذَا النَّهْرِ يَسُوقُهُ إلَى أَرْضِهِ حَتَّى يَسْقِيَهَا مِنْهُ أَجَزْت ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا لَهُ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ فِي النَّهْرِ، وَهُوَ الْمَجْرَى، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِرَ هَذَا فِي الطَّرِيقِ، وَالْمَسِيلِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَاكَ لَا تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فَكَذَا الْمَجْرَى هُنَا، وَكَذَلِكَ الْمَصَبُّ إذَا كَانَ نَهَرُهُ ذَلِكَ يَصُبُّ فِي أَرْضٍ أُخْرَى فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ السُّفْلَى الْمَجْرَى، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَصْلِ النَّهْرِ أَنَّهُ لَهُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ لَهُ فِيهِ مَصَبًّا أَجَزْت ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَصَبَّ كَالْمَسِيلِ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ مَسِيلَ مَاءٍ عَلَى سَطْحِ جَارِهِ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ مَقْبُولَةً فَهَذَا مِثْلُهُ.

وَلَوْ سَقَى الرَّجُلُ أَرْضَهُ أَوْ شَجَرَهَا أَوْ مَلَأَهَا مَاءً فَسَالَ مِنْ مَائِهَا فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَغَرَّقَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا لِأَنَّهُ فِي هَذَا التَّسْبِيبِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بَلْ هُوَ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ مُطْلَقًا، وَالْمُتَسَبِّبُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي تَسَبُّبِهِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا كَحَافِرِ الْبِئْرِ، وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>