للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِصِفَةِ الْمَالِكِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ شَرْعًا إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ، وَيَقْصِدُ بِمُبَاشَرَتِهِ إصْلَاحَ الْمِلْكِ، وَإِحْرَازَهُ فَكَانَ دَلِيلُ الرِّضَا بِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ، وَدَلِيلُ الرِّضَا فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ كَصَرِيحِ الرِّضَا، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، وَصَنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ قَطْعٌ لِلْخِيَارِ، وَفَسْخٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مُقَرِّرٌ لِمِلْكِهِ بِمَا بَاشَرَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ نَخِيلًا فَلَقَّحَهَا أَوْ أَرْضًا فَكَرَبَهَا أَوْ سَرْقَنَهَا فَهُوَ قَطْعٌ لِلْخِيَارِ، وَفَسْخٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مُقَرِّرٌ لِمِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَدَّ النَّخِيلَ أَوْ قَطَفَ الْكَرْمَ فَهَذَا كُلُّهُ تَصَرُّفٌ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ، وَيُقْصَدُ بِهِ إحْرَازُ الْمِلْكِ، وَإِصْلَاحُهُ.

وَإِذَا اشْتَرَى عُشْرَ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ سَقَى أَرْضًا لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا قَطْعٌ لِلْخِيَارِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَقَى مِنْهُ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا أَوْ اسْتَقَى لِلشُّقَّةِ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ لِلْوُضُوءِ فَهَذَا لَا يَكُونُ رِضًا؛ لِأَنَّ سَقْيَ الْأَرْضِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْبِئْرِ، وَالنَّهْرِ، وَلَا يَمْلِكُهُ شَرْعًا إلَّا بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ يَكُونُ تَقْرِيرًا لِمِلْكِهِ، وَأَمَّا الِاسْتِقَاءُ لِلشُّقَّةِ فَغَيْرُ مَقْصُودٍ بِالنَّهْرِ، وَالْبِئْرِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ شَرْعًا فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا بِمِلْكِهِ يُوَضِّحُهُ: أَنَّ قَبْلَ الْبَيْعِ كَانَ يَمْلِكُ الِاسْتِقَاءَ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ لِلشُّقَّةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ بِمِلْكِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْبَيْعِ فِيهِ، وَأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ تَنْفِيذَ الْبَيْعِ فَأَمَّا سَقْيُ الْأَرْضِ فَمَا كَانَ يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَلَا بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ بَلْ إنَّمَا يُمَكَّنُ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ الْبَيْعِ فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ تَقْرِيرٌ لِلْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالِاسْتِقَاءُ لِلشُّقَّةِ لَا يَكُونُ قَطْعًا لِخِيَارِهِ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْهُ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ مِلْكِهِ شَرْعًا (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ بِالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ سَقْيِ الْأَرْضِ مِنْهُ.

وَإِذَا اشْتَرَى نَهْرًا، وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَسَقَى أَجْنَبِيٌّ أَرْضًا لَهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ، وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ بِهِ فَلَيْسَ هَذَا بِقَطْعٍ لِلْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ نُقْصَانٌ فِي الْعَيْنِ، وَلَا، وَجَدَ مِنْ الْمُشْتَرِي دَلِيلَ الرِّضَا بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَيَّبَهُ أَجْنَبِيٌّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ خِيَارَهُ إنَّمَا يَسْقُطُ هُنَاكَ لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ، وَعَجْزِهِ عَنْ رَدِّهِ كَمَا قَبَضَ.

وَإِذَا اشْتَرَى نَهْرًا بِقَنَاةٍ، وَأَسْقَطَ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ سَقَى أَرْضَهُ مِمَّا اشْتَرَى فَهُوَ إجَازَةٌ لِلْبَيْعِ، وَإِنْ سَقَاهَا مِمَّا بَاعَ فَهُوَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ فِيمَا بَاعَ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ فَسَقْيِهِ لِلْأَرْضِ مِمَّا بَاعَ دَلِيلُ تَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيمَا بَاعَ، وَفِيمَا اشْتَرَى دَلِيلُ الرِّضَا بِتَمَلُّكِهِ.

وَلَوْ أَنَّ الْآخَرَ هُوَ الَّذِي سَقَى أَرْضَهُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ هَذَا نَقْضًا لِلْبَيْعِ، وَلَا إجَارَةً؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي جَانِبِهِ لَازِمٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ إسْقَاطِ خِيَارِ صَاحِبِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِجَارِيَتِهِ، وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَعْتَقَ مَا بَاعَ فَهُوَ نَقْضٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ، وَإِنْ أَعْتَقَ مَا اشْتَرَى فَهُوَ إجَازَةٌ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ صَاحِبُهُ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا، وَلَا إجَازَةً؛ لِأَنَّ عِتْقَ صَاحِبِهِ فِيمَا بَاعَ لَمْ يَنْفُذْ

<<  <  ج: ص:  >  >>