وَصِيُّهُ، وَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْجَوَابِ الَّذِي قَالَ أَنَّهُ يُخَاصِمُ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ؛ لِأَنَّهُمَا يُخَاصِمَانِ فِي ذَلِكَ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، وَإِنْ كَانَا قَدْ أَسْقَطَا حَقَّهُمَا فَهَذَا مِمَّا لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ فَلَا مَعْنَى لِخُصُومَتِهِمَا عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ، وَهُمَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ عَنْ أَنْفُسِهِمَا.
وَإِنْ كَانَ نَهْرٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهُ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَسْقِيَ صَاحِبُ الثُّلُثِ مِنْهُ يَوْمًا، وَصَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ يَوْمَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمَا اقْتَسَمَا مَاءَ النَّهْرِ بَيْنَهُمَا عَلَى تَرَاضٍ، وَالْمُنَاوَبَةُ بِالْأَيَّامِ فِي هَذَا كَالْقِسْمَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {، وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر: ٢٨]، وَقَالَ تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: ١٥٥].
وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهَدَمَ الْبَائِعُ بِنَاءَهَا أَوْ أَفْسَدَ نَهْرَهَا أَوْ بِئْرَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ بِخِيَارِهِ، وَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَيَضْمَنُ الْبَائِعُ قِيمَةَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَالْبَائِعُ صَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ جِهَتِهِ تَمَّ بِالتَّسْلِيمِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ الْبَائِعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَعَلَى الْبَائِعِ قِيمَتُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا، وَقَبَضَهُ، وَلَمْ يَرَهُ فَحَرَقَهُ الْبَائِعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَزِمَ الْبَيْعُ لِلْمُشْتَرِي، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِمَا أَحْدَثَ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ، وَلَيْسَ الْبَائِعُ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرَّدِّ عِنْدَ التَّعَيُّبِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ الرِّضَا بِهَذَا الضَّرَرِ حِينَ عَيَّبَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّبَهُ أَجْنَبِيٌّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَخِيَارِ الْعَيْبِ سَوَاءٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ.
ثَلَاثَةُ نَفَرٍ بَيْنَهُمْ حَرْثٌ حَصَدُوهُ، وَجَمَعُوهُ، وَفِي يَدِ أَحَدِهِمْ وَضَعُوهُ؛ لِيَحْفَظَ لَهُمْ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ نَصِيبَ الرَّجُلَيْنِ إلَى أَحَدِهِمَا، وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ دَفَعَ إلَيْهِ حَقَّهُ أَوْ يَقُولُ دَفَعَ إلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِي أَوْ بَقِيَ الثُّلُثُ فِي يَدِ الثَّالِثِ، وَقَالَ الدَّافِعُ دَفَعْتُ إلَى صَاحِبِي ثُلُثَهُ أَوْ حَقَّهُ ثُمَّ قَالَ دَفَعْتُ إلَيْهِ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ ثُلُثَ صَاحِبِهِ بِأَمْرِهِ، وَهُمَا يُنْكِرَانِ ذَلِكَ قَالَ يَقْتَسِمُونَ الثُّلُثَ الَّذِي بَقِيَ فِي يَدِهِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَيَضْمَنُ ثُلُثَ مَا دَفَعَ فَيَكُونُ لِلْآخَرَيْنِ بَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ ثَلَاثَةٍ حُكْمُ الِاخْتِصَاصِ، وَحُكْمُ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَحُكْمُ الْخِلَافِ فَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِ الِاخْتِصَاصِ فَنَقُولُ جَمِيعُ الزَّرْعِ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَتِهِمْ، وَكَانَ الْحَافِظُ أَمِينًا فِي نَصِيبِ الْآخَرَيْنِ، وَدَعْوَاهُ الدَّفْعَ إلَى أَحَدِهِمَا بِأَمْرِ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَاهُ دَفْعَ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَيْهِ.
وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي بَرَاءَتِهِ عَنْ الضَّمَانِ، وَلَكِنْ قَوْلُهُ فِي اسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ عَلَى صَاحِبِهِ، وَالثُّلُثُ الَّذِي بَقِيَ فِي يَدِهِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ ثَلَاثَتِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute