- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَيَتَغَدَّى عِنْدَهُ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهُ النَّبِيذَ يَعْنِي نَبِيذَ الْجَرِّ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَعْتَادُ شُرْبَهُ حَتَّى ذُكِرَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ أَرَاهُمْ الْجَرَّ الْأَخْضَرَ الَّذِي كَانَ يَنْبِذُ فِيهِ لِابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كُنَّا عِنْدَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَكَانَ يُحَدِّثُنَا بِحُرْمَةِ النَّبِيذِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَقَالَ اُسْكُتْ يَا صَبِيُّ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ شَرِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَبِيذًا مُشْتَدًّا صُلْبًا، وَكَذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَبِيذًا مُشْتَدًّا كَانَ يَعْتَادُ شُرْبَهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ سَقَانِي عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَبِيذًا، فَلَمَّا رَأَى مَا بِي مِنْ التَّغَيُّرِ بَعَثَ مَعِي قَنْبَرًا يَهْدِينِي، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إنَّ الْقَوْمَ لَيَجْتَمِعُونَ عَلَى الشَّرَابِ، وَهُوَ لَهُمْ حَلَالٌ، فَلَا يَزَالُونَ يَشْرَبُونَ حَتَّى يُحَرَّمَ عَلَيْهِمْ يَعْنِي إذَا بَلَغُوا حَدَّ السُّكْرِ.
وَكَذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَشْرَبُ الْمُثَلَّثَ، وَيَأْمُرُ بِاِتِّخَاذِهِ لِلنَّاسِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الطِّلَاءُ الَّذِي يَأْمُرُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِاِتِّخَاذِهِ لِلنَّاسِ، وَيَسْقِيهِمْ مِنْهُ كَيْفَ كَانَ قَالَ كَانَ يُطْبَخُ الْعَصِيرُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ، وَيَبْقَى ثُلُثُهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَسْقِيهِمْ بَعْدَ مَا يَشْتَدُّ لِمَا ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إنَّا نَنْحَرُ جَزُورًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْعُنُقُ مِنْهَا لِآلِ عُمَرَ، ثُمَّ يَشْرَبُ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا النَّبِيذِ، فَيُقَطِّعُهُ فِي بُطُونِنَا، وَلِكَثْرَةِ مَا رُوِيَ مِنْ الْآثَارِ فِي إبَاحَةِ شُرْبِ الْمُثَلَّثِ ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا عَدَّ مِنْ خِصَالِ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَنْ لَا يُحَرَّمَ نَبِيذُ الْجَرِّ، وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ قَالَ: لَأَنْ أَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ، فَأَنْقَطِعَ نِصْفَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُحَرِّمَ نَبِيذَ الْجَرِّ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِمَا فِي التَّحْرِيمِ مِنْ رَدِّ الْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ، وَإِسَاءَةِ الْقَوْلِ فِي الْكِبَارِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ، فَأَمَّا مَعَ الْإِبَاحَةِ، فَقَدْ لَا يُعْجِبُ الْمَرْءَ الْإِصَابَةُ مِنْ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ لِلِاحْتِيَاطِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُوَافِقُ طَبْعَهُ، وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ تَثْبُتُ بَعْدَ التَّحْرِيمِ، فَقَدْ كَانُوا فِي الِابْتِدَاءِ نُهُوا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لِتَحْقِيقِ الزَّجْرِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: شَهِدْت تَحْرِيمَهُ كَمَا شَهِدْتُمْ، ثُمَّ شَهِدْت تَحْلِيلَهُ، فَحَفِظْت ذَلِكَ، وَنَسِيتُمْ.
فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا يُرْوَى مِنْ الْآثَارِ فِي حُرْمَتِهِ قَدْ انْتَسَخَ بِالرُّخْصَةِ فِيهِ بَعْدَ الْحُرْمَةِ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: إنَّمَا كُرِهَ التَّمْرُ، وَالزَّبِيبُ لِشِدَّةِ الْغِشِّ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَمَا كُرِهَ اللَّحْمُ، وَالتَّمْرُ، وَكَمَا كُرِهَ أَنْ يَقْرِنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا مِنْهُ بَيَانُ تَأْوِيلِ النَّهْيِ عَنْ شَرَابِ الْخَلِيطَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ الْيَوْمَ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: قَوْلُ النَّاسِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute