للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَعْتَادُ شُرْبَ الْخَمْرِ يَعَافُ الدُّرْدِيَّ، فَيَكُونُ شُرْبُهُ كَشُرْبِ الدَّمِ، وَالْبَوْلِ، ثُمَّ الْغَالِبُ عَلَى الدُّرْدِيِّ أَجْزَاءُ تُفْلِ الْعِنَبِ مِنْ الْقِشْرِ، وَغَيْرِهِ.

وَلَوْ كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْمَاءُ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ بِشُرْبِهِ كَمَا بَيَّنَّا، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْغَالِبُ تُفْلُ الْعِنَبِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ فِي خَلٍّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ خَلًّا، فَإِنَّ مِنْ طَبْعِ الْخَمْرِ يَصِيرُ خَلًّا إذَا تُرِكَ كَذَلِكَ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْخَلُّ، أَوْلَى أَنْ يَصِيرَ خَلًّا وَخَلُّ الْخَمْرِ حَلَالٌ

وَإِذَا طُبِخَ فِي الْخَمْرِ رَيْحَانٌ يُقَالُ: لَهُ سَوْسَنٌ حَتَّى يَأْخُذَ رِيحَهَا ثُمَّ يُبَاعُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْهُنَ، أَوْ يَتَطَيَّبَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْخَمْرِ، وَإِنْ تَكَلَّفُوا لِإِذْهَابِ رَائِحَتِهِ بِرَائِحَةِ شَيْءٍ آخَرَ غَلَبَ عَلَيْهَا، وَالِانْتِفَاعُ بِالْخَمْرِ حَرَامٌ قَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَمْرِ عَشْرًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَعَنَ اللَّهُ فِي الْخَمْرِ عَشْرًا»، وَقَالَ فِي الْجُمْلَةِ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهَا، وَلَا تَمْتَشِطُ الْمَرْأَةُ بِالْخَمْرِ فِي الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّهَا فِي خِطَابِ تَحْرِيمِ الشُّرْبِ كَالرَّجُلِ، وَكَذَلِكَ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهَا عِنْدَ الشُّرْبِ، فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا مِنْ حَيْثُ الِامْتِشَاطِ، وَذَلِكَ شَيْءٌ يَصْنَعُهُ بَعْضُ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي تَرْنِيقِ الشَّعْرِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَنْهَى النِّسَاءَ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ، وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ أَنْ يُسْقَى الصِّبْيَانُ الْخَمْرَ لِلدَّوَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ يَسْقِيهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ يَنْبَنِي عَلَى الْخِطَابِ، وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، وَلَكِنْ مَنْ يَسْقِيهِ مُخَاطَبٌ، فَهُوَ الْآثِمُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إنَّ أَوْلَادَكُمْ وُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ، فَلَا تُدَاوُوهُمْ بِالْخَمْرِ، وَلَا تُغَذُّوهُمْ بِهَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ فِي رِجْسٍ شِفَاءً، وَإِنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى مَنْ سَقَاهُمْ، وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُدَاوِيَ بِهَا جُرْحًا فِي بَدَنِهِ، أَوْ يُدَاوِيَ بِهَا دَابَّتَهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ انْتِفَاعٍ بِالْخَمْرِ وَالِانْتِفَاعُ بِالْخَمْرِ مُحَرَّمٌ شَرْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، ثُمَّ الضَّرُورَةُ لَا تَتَحَقَّقُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْحَلَالِ مَا يَعْمَلُ عَمَلَهُ فِي الْمُدَاوَاةِ. .

وَإِنْ غُسِلَ الظَّرْفُ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْخَمْرُ، فَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ النَّبِيذُ، وَالْمُرَبَّى؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ كَانَ تَنَجَّسَ بِمَا جُعِلَ فِيهِ مِنْ الْخَمْرِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَنَجَّسَ بِجَعْلِ الْبَوْلِ، وَالدَّمِ فِيهِ، فَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، وَإِذَا صَارَ طَاهِرًا بِالْغَسْلِ حَلَّ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، وَإِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ، وَذَكَرَ فِيهَا الْخَمْرَ»، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ يَطْهُرُ الثَّوْبُ بَعْدَ مَا يُصِيبُهُ الْخَمْرُ بِالْغَسْلِ فَكَذَلِكَ الظُّرُوفُ وَاَلَّذِي رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِكَسْرِ الدِّنَانِ، وَشَقِّ الرَّوَايَا» قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنْ الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ، ثُمَّ قِيلَ: فِي تَأْوِيلِهِ الْمُرَادُ مَا يُشْرَبُ فِيهِ الْخَمْرُ حَتَّى لَا يُمْكِنَ اسْتِخْرَاجُهُ بِالْغَسْلِ، وَتُوجَدُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ مِنْ كُلِّ مَا يُجْعَلُ فِيهِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَهُوَ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>