للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ، فَهَذَا مِثْلُهُ.

وَلَا يُحَدُّ فِي شُرْبِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُسْكِرْ إمَّا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي إبَاحَةِ شُرْبِهِ، أَوْ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ لِلِاحْتِيَاطِ، وَفِي الْحُدُودِ يُحْتَالُ لِلدَّرْءِ، وَلِلْإِسْقَاطِ، فَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ مَا لَمْ يُسْكِرْ، وَإِنْ خَلَطَ الْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ، وَشَرِبَهُ رَجُلٌ، وَلَمْ يَسْكَرْ، فَإِنْ كَانَتْ الْخَمْرُ هِيَ الْغَالِبَةُ حَدَدْتُهُ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيذُ هُوَ الْغَالِبُ لَمْ نَحُدَّهُ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَغْلُوبَ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِالْغَالِبِ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ لِلْغَالِبِ، وَهَذَا فِي الْجِنْسَيْنِ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَالنَّبِيذُ، وَالْخَمْرُ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَإِنَّ أَحْكَامَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، فَإِنْ طُبِخَ الزَّبِيبُ وَحْدَهُ، أَوْ التَّمْرُ، ثُمَّ مَرَسَ الْعِنَبُ فِيهِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا دَامَ حُلْوًا، فَإِذَا اشْتَدَّ، فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ مُرِسَ الْعِنَبُ فِي نَبِيذِ الْعَسَلِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَصِيرٍ خُلِطَ بِنَبِيذٍ، وَاشْتَدَّ، فَإِنْ طُبِخَا جَمِيعًا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَا الْعَصِيرِ، ثُمَّ اشْتَدَّ، فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الشَّرْطُ فِي الْعَصِيرِ، وَهُوَ ذَهَابُ الثُّلُثَيْنِ بِالطَّبْخِ قَدْ وُجِدَ، وَالْعِنَبُ الْأَبْيَضُ، وَالْأَسْوَدُ يُعْصَرَانِ لَا بَأْسَ بِعَصِيرِهِمَا مَا دَامَ حُلْوًا، فَإِذَا اشْتَدَّ فَهُوَ خَمْرٌ، وَإِنَّمَا، أَوْرَدَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ بَعْضِ الْعَوَامّ أَنَّ الْخَمْرَ مِنْ الْعِنَبِ الْأَسْوَدِ دُونَ الْأَبْيَضِ هَذَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَشْكُلُ عَلَى الْفُقَهَاءِ، فَلِرَدِّ مَا، وَقَعَ عِنْدَ الْعَوَامّ كَمَا ذُكِرَ فِي الِاصْطِيَادِ بِالْكَلْبِ الْكُرْدِيِّ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.

وَمَا طُبِخَ مِنْ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَعُتِّقَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَكْرَهُ الْمُعَتَّقَ مِنْ الزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ، وَأَنْهَى عَنْهُ، وَهَذَا قَوْلُهُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: كُلُّ نَبِيذٍ يَزْدَادُ جَوْدَةً عِنْدَ إبَّانِهِ، فَلَا خِيَارَ فِيهِ، وَقَدْ رَجَعَ عَنْ هَذَا إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ ذُكِرَ رُجُوعُهُ فِي رِوَايَاتِ أَبِي حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَكَذَلِكَ نَبِيذُ التَّمْرِ الْمُعَتَّقِ يُجْعَلُ فِيهِ الرَّازِيّ، وَهُوَ شَيْءٌ يَجْعَلُونَهُ فِي نَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ الطَّبْخِ لِتَقْوَى بِهِ شِدَّتُهُ، وَيُنْتَقَصُ مِنْ النَّفْخِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَالشِّدَّةُ بَعْدَ الطَّبْخِ لَا تَمْنَعُ شُرْبَهُ، فَكَذَلِكَ إذَا جُعِلَ فِيهِ مَا تَتَقَوَّى بِهِ الشِّدَّةُ، فَذَلِكَ يَمْنَعُ شُرْبُهُ، وَيُكْرَهُ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّ الدُّرْدِيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ صَافِيهِ، وَالِانْتِفَاعُ بِالْخَمْرِ حَرَامٌ، فَكَذَلِكَ بِدُرْدِيِّهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي الدُّرْدِيِّ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ.

وَلَوْ وَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْ خَمْرٍ فِي مَاءٍ لَمْ يَجُزْ شُرْبُهُ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ، فَالدُّرْدِيُّ أَوْلَى، وَاَلَّذِي رُوِيَ أَنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَتَدَلَّكُ بِدُرْدِيِّ الْخَمْرِ فِي الْحَمَّامِ، فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ حَتَّى لَعَنَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ لَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ عَنْهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ بِذَلِكَ بَعْدَ مَا أَنْكَرَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَلَوْ شَرِبَ مِنْهُ، وَلَمْ يَسْكَرْ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ مِنْ الْخَمْرِ، وَفِي الدُّرْدِيِّ قَطَرَاتٌ مِنْ الْخَمْرِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: وُجُوبُ الْحَدِّ لِلزَّجْرِ، وَإِنَّمَا يُشْرَعُ الزَّجْرُ فِيمَا تَمِيلُ إلَيْهِ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ، وَالطِّبَاعُ لَا تَمِيلُ إلَى شُرْبِ الدُّرْدِيِّ بَلْ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>