مِنْهَا عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ، وَلِذَلِكَ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْقِيَهَا، أَوْ الْمُسْكِرُ الذِّمِّيَّ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْرَبَهَا، وَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَمْرِ سَاقِيهَا كَمَا لَعَنَ شَارِبَهَا.
وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ، فَقَضَاهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ كَافِرًا، فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَيَسْتَحِقُّ الْبَائِعُ ثَمَنَهُ، ثُمَّ الْمُسْلِمُ يَأْخُذُ مِلْكَ مَدْيُونِهِ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ، وَمَا يَأْخُذُهُ عِوَضٌ عَنْ دَيْنِهِ فِي حَقِّهِ لَا ثَمَنَ الْخَمْرِ، فَأَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ مِنْ الْمُسْلِمِ، فَبَاطِلٌ، وَالثَّمَنُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ لَهُ بَلْ هُوَ، وَاجِبُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ أُخِذَ مِنْهُ، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ لَيْسَ يَأْخُذُ مِلْكَ مَدْيُونِهِ بَلْ مِلْكَ الْغَيْرِ الْحَاصِلِ عِنْدَهُ بِسَبَبٍ، فَاسِدٍ شَرْعًا، فَيَكُونُ هُوَ بِهَذَا الْأَخْذِ مُقَرِّرًا الْحُرْمَةَ، وَالْفَسَادَ، وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ.
وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَجْعَلُهُ خَمْرًا؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ مَشْرُوبٌ طَاهِرٌ حَلَالٌ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَأَكْلُ ثَمَنِهِ، وَلَا، فَسَادَ فِي قَصْدِ الْبَائِعِ إنَّمَا الْفَسَادُ فِي قَصْدِ الْمُشْتَرِي، وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ بَيْعَ الْكَرْمِ مِمَّنْ يَتَّخِذُ الْخَمْرَ مِنْ عَيْنِهِ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْأَرْضِ مِمَّنْ يُغْرَسُ فِيهَا كَرْمًا لِيَتَّخِذَ مِنْ عِنَبِهِ الْخَمْرُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَصِيرِ، وَالْعِنَبِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَتَمْكِينٌ مِنْهَا، وَذَلِكَ حَرَامٌ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ الْبَيْعِ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي اتِّخَاذُ الْخَمْرِ، فَكَانَ فِي الْبَيْعِ مِنْهُ تَهْيِيجُ الْفِتْنَةِ، وَفِي الِامْتِنَاعِ تَسْكِينُهَا.
وَمَنْ أَهْرَاقَ خَمْرَ مُسْلِمٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَإِتْلَافُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَإِتْلَافِ الْمَيْتَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ جَبْرًا لِمَا دَخَلَ عَلَى الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ مِنْ نُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ سُكَّرًا، أَوْ طِلَاءً قَدْ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُهُ، أَوْ رُبُعُهُ، فَأَهْرَاقَهُ رَجُلٌ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ.
فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمَّا جَوَّزَ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ كَانَتْ الْمَالِيَّةُ، وَالتَّقَوُّمُ فِيهَا ثَابِتَةً، فَقَالَ إنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُتْلِفِ، وَلَكِنْ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَمْلِيكِ عَيْنِهَا، وَإِنْ كَانَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَمْرِ، فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى مُتْلِفِهَا أَيْضًا، وَفِي الْكِتَابِ قَالَ قُلْت مِنْ أَيْنَ اخْتَلَفَا؟ قَالَ: الْخَمْرُ حَرَامٌ، وَهَذَا لَيْسَ كَالْخَمْرِ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ نَكْرَهُهُ نَحْنُ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ، فَتَعْمَلُ فِي إسْقَاطِ الْمَالِيَّةِ، وَالتَّقَوُّمِ، وَحُرْمَةُ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ لَمْ تَكُنْ بِنَصٍّ مَقْطُوعٍ بِهِ، فَلَا تَسْقُطُ الْمَالِيَّةُ، وَالتَّقَوُّمُ بِهِ، فَإِنْ غَصَبَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا، فَصَارَتْ فِي يَدِهِ خَلًّا، ثُمَّ، وَجَدَهَا صَاحِبُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute