للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكِتَابِ إلَى حَرْفٍ، فَقَالَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ إنْفَحَةً، وَلَا لَبَنًا، وَهِيَ مَيِّتَةٌ، وَلَا يَضُرُّهَا مَوْتُ الشَّاةِ يَعْنِي أَنَّ اللَّبَنَ، وَالْإِنْفَحَةَ تَنْفَصِلُ مِنْ الشَّاةِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ حَيَّةً كَانَتْ الشَّاةُ، أَوْ مَيِّتَةً ذُبِحَتْ، أَوْ لَمْ تُذْبَحْ، فَلَا يَكُونُ لِمَوْتِ الشَّاةِ تَأْثِيرٌ فِي اللَّبَنِ، وَالْإِنْفَحَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَتْ دَجَاجَةٌ، فَوُجِدَ فِي بَطْنِهَا بَيْضَةٌ، فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْبَيْضَةِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ إنْ كَانَتْ صُلْبَةً، فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ لَيِّنَةً لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَاللَّبَنِ، وَالْإِنْفَحَةِ عَلَى أَصْلِهِ. .

وَلَوْ سَقَى شَاةً خَمْرًا ثُمَّ ذُبِحَتْ سَاعَتَئِذٍ، فَلَا بَأْسَ بِلَحْمِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَبَ مِنْهَا اللَّبَنَ، فَلَا بَأْسَ بِشُرْبِهِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ صَارَتْ مُسْتَهْلَكَةً بِالْوُصُولِ إلَى جَوْفِهَا، وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي لَحْمِهَا، وَلَا فِي لَبَنِهَا، وَهِيَ عَلَى صِفَةِ الْخَمْرِيَّةِ بِحَالِهَا، فَلِهَذَا لَا بَأْسَ بِأَكْلِ لَحْمِهَا، وَشُرْبِ لَبَنِهَا

وَلَوْ صَبَّ رَجُلٌ خَابِيَةً مِنْ خَمْرٍ فِي نَهْرِ مِثْلِ الْفُرَاتِ، أَوْ أَصْغَرَ مِنْهُ، وَرَجُلٌ أَسْفَلَ مِنْهُ، فَمَرَّتْ بِهِ الْخَمْرُ فِي الْمَاءِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْرَبَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُوجَدُ فِيهِ طَعْمُهَا، أَوْ رِيحُهَا، فَلَا يَحِلُّ لَهُ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ، وَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْ خَمْرٍ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْإِنَاءِ قَدْ تَنَجَّسَ، فَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ فِيهِ طَعْمُ الْخَمْرِ، وَأَمَّا الْفُرَاتُ، فَلَا يَتَنَجَّسُ إذْ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَلَا رَائِحَتُهُ بِمَا صُبَّ فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ، أَوْ لَوْنَهُ، أَوْ رِيحَهُ»، وَالْمُرَادُ الْمَاءُ الْجَارِي، ثُمَّ مَا صُبَّ فِي الْفُرَاتِ يَصِيرُ مَغْلُوبًا مُسْتَهْلَكًا بِالْمَاءِ، فَمَا يَشْرَبُهُ الرَّجُلُ مَاءُ الْفُرَاتِ، وَلَا بَأْسَ بِشُرْبِ مَاءِ الْفُرَاتِ إلَّا إذَا كَانَ يُوجَدُ فِيهِ رِيحُ الْخَمْرِ، أَوْ طَعْمُهَا، فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى وُجُودِ عَيْنِ الْخَمْرِ فِيمَا شَرِبَهُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي الْجِيفَةِ الْوَاقِعَةِ فِي نَهْرٍ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ أَنَّهُ إنْ كَانَ جَمِيعُ الْمَاءِ، أَوْ أَكْثَرُهُ يَجْرِي عَلَى الْجِيفَةِ، فَذَلِكَ الْمَاءُ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ لَا يَجْرِي عَلَى الْجِيفَةِ، فَهُوَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ يُجْعَل تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى.

وَإِذَا خَافَ الْمُضْطَرُّ الْمَوْتَ مِنْ الْعَطَشِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْرَبَ مِنْ الْخَمْرِ مَا يَرُدُّ عَطَشَهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحِلُّ شُرْبُ الْخَمْرِ لِلْعَطَشِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَا تَرُدُّ الْعَطَشَ بَلْ تَزِيدُ فِي عَطَشِهِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْحَرَارَةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩] الْآيَةَ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَيْتَةِ، فَفِيهَا بَيَانٌ أَنَّ مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالشَّرْعِ وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْعِ كَحُرْمَةِ الْمَيْتَةِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَلَا بَأْسَ بِالْإِصَابَةِ مِنْهَا عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ بِقَدْرِ مَا يَدْفَعُ الْهَلَاكَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ يَرُدُّ عَطَشَهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ فِي الْخَمْرِ رُطُوبَةً، وَحَرَارَةً، فَالرُّطُوبَةُ الَّتِي فِيهَا تَرُدُّ عَطَشَهُ فِي الْحَالِ، ثُمَّ بِالْحَرَارَةِ الَّتِي فِيهَا يَزْدَادُ الْعَطَشُ فِي الثَّانِي، وَإِلَى أَنْ يَهِيجَ ذَلِكَ بِهِ رُبَّمَا يَصِلُ إلَى الْمَاءِ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ يَدْفَعُ الْهَلَاكَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>