للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصِّفَةِ يَتَحَقَّقُ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّهُ صَارَ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ لَمَّا كَانَتْ مُتَمَكِّنَةً مِنْ إيقَاعِ مَا خَوَّفَتْهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُعَارِضُ قَوْلَهُ: فَشَتَمَهَا أَيْ نَسَبَهَا إلَى سُوءِ الْعِشْرَة، وَالصُّحْبَةِ، وَإِلَى الظُّلْمِ كَمَا يَلِيقُ بِفِعْلِهَا لَا أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِيهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بُهْتَانٌ لَا يُظَنُّ بِهِ، وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: طَلَاقُ الْمُكْرَهِ جَائِزٌ، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَرْبَعٌ وَاجِبَاتٌ عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ بِهِنَّ: الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالنَّذْرُ يَعْنِي النَّذْرَ الْمُرْسَلَ إذْ الْيَمِينُ بِالنَّذْرِ يَمِينٌ، وَبِهِ نَأْخُذُ، فَنَقُولُ: هَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ لَازِمٌ إنْ كَانَ جَادًّا فِيهِ، أَوْ هَازِلًا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ تَمَامُ الرِّضَا، وَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: ثَلَاثٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ: الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالصَّدَقَةُ يَعْنِي النَّذْرَ بِالصَّدَقَةِ، وَمُرَادُهُ أَنَّ الْهَزْلَ، وَالْجِدَّ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ سَوَاءٌ، فَالْهَازِلُ لَاعِبٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُرِيدُ بِالْكَلَامِ غَيْرَ مَا وُضِعَ لَهُ الْكَلَامُ.

وَذُكِرَ نَظِيرَهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: ثَلَاثٌ لَا لَعِبَ بِهِنَّ، وَاللَّعِبُ فِيهِنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِنَّ لَعِبٌ: الطَّلَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْعَتَاقُ، وَأَيَّدَ هَذَا كُلَّهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ الطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالنِّكَاحُ»، وَإِنَّمَا، أَوْرَدَ هَذِهِ الْآثَارَ لِيَسْتَدِلَّ بِهَا عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْمُكْرَهِ، فَلِلْوُقُوعِ حُكْمُ الْجِدِّ مِنْ الْكَلَامِ، وَالْهَزْلُ ضِدُّ الْجِدِّ، ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ الْوُقُوعُ مَعَ وُجُودِ مَا يُضَادُّ الْجِدَّ، فَلَأَنْ لَا يَمْتَنِعَ الْوُقُوعُ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُضَادُّ الْجِدَّ، فَإِنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى الْجِدِّ، وَأَجَابَ إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ضِدُّ الْإِكْرَاهِ الرِّضَا، فَيَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْبَيِّنَةِ لُزُومُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مَعَ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ لُزُومُهَا بِمَا هُوَ ضِدُّ الْجِدِّ، فَلَأَنْ لَا يَمْتَنِعَ لُزُومُهَا مَعَ جِدٍّ أَقْدَمَ عَلَيْهِ عَنْ إكْرَاهٍ أَوْلَى، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَرْبَعٌ مُبْهَمَاتٌ مُقْفَلَاتٌ لَيْسَ فِيهِنَّ رَدُّ يَدٍ الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالنَّذْرُ، وَقَوْلُهُ مُبْهَمَاتٌ أَيْ وَاقِعَاتٌ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فِي اللُّزُومِ مُكْرَهًا كَانَ الْمُوقِعُ أَوْ طَائِعًا يُقَالُ: فَرَسُ بَهِيمٍ إذَا كَانَ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ، وَقَوْلُهُ مُقْفَلَاتٌ أَيْ لَازِمَاتٌ لَا تَحْتَمِلُ الرَّدَّ بِسَبَبِ الْعُذْرِ، وَقَدْ بَيَّنَّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ فِيهِنَّ رَدُّ يَدٍ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إذَا أَجْبَرَ السُّلْطَانُ عَلَى الطَّلَاقِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ لِصًّا فَلَا شَيْءَ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: الْإِكْرَاهُ يَتَحَقَّقُ مِنْ السُّلْطَانِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ الْمُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ إذَا كَانَ سُلْطَانًا يَقَعُ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ إذَا كَانَ الْمُكْرِهُ لِصًّا، وَلَكِنَّا نَقُولُ: مُرَادُهُ بَيَانُ الْوُقُوعِ بِطَرِيقِ التَّشْبِيهِ يَعْنِي أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ سُلْطَانًا فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ جَائِزٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>