للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِذَا كَانَ لِصًّا، أَوْلَى أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا؛ لِأَنَّ إكْرَاهِ اللِّصِّ لَيْسَ بِشَيْءٍ.

وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَا: كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ، وَإِنَّمَا اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِمَا عَلَى وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُمَا حَكَمَا بِلُزُومِ كُلِّ طَلَاقٍ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ، وَالْمُكْرَهُ لَيْسَ بِصَبِيٍّ، وَلَا مَعْتُوهٍ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُمَا لِبَقَاءِ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْخِطَابِ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فَتًى أَسْوَدَ كَانَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَبَعَثَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلًا يَسْعَى عَلَى الصَّدَقَةِ، وَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ بِهَذَا الْغُلَامِ مَعَك يَرْعَ غَنَمَك، وَيُعِنْك، فَتُعْطِيَهُ مِنْ سَهْمِك فَذَهَبَ بِالْفَتَى فَرَجَعَ، وَقَدْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَقَالَ: وَيْحَكَ مَالَكَ؟ قَالَ: زَعَمُوا أَنِّي سَرَقْتُ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ الْإِبِلِ، فَقَطَعَنِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَللَّهِ لَئِنْ وَجَدْتُهُ قَطَعَك بِغَيْرِ حَقٍّ لِأُقِيدَنَّكَ مِنْهُ قَالَ فَلَبِثُوا مَا لَبِثُوا، ثُمَّ إنَّ مَتَاعًا لِامْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ سُرِقَ، وَذَلِكَ الْأَسْوَدُ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَرَفَعَ يَدَهُ إلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَظْهِرْ عَلَى السَّارِقِ اللَّهُمَّ أَظْهِرْ عَلَى السَّارِقِ، فَوَجَدُوا ذَلِكَ الْمَتَاعَ عِنْدَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَيْحَكَ مَا أَجْهَلَك بِاَللَّهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ، فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قُطِعَتْ رِجْلُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا، فَوَائِدَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ، وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ ذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّ الْفَتَى كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ، فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَهُنَا ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ، فَقَطَعَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رِجْلَهُ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ هُنَا لِحَرْفٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ، (وَاَللَّهِ لَئِنْ وَجَدْتُهُ قَطَعَك بِغَيْرِ حَقٍّ لَأُقِيدَنَّكَ مِنْهُ) وَبِهِ نَأْخُذُ، فَنَقُولُ إذَا بَعَثَ الْخَلِيفَةُ عَامِلًا، فَأَمَرَ رَجُلًا بِقَطْعِ يَدِ غَيْرِهِ، أَوْ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فِعْلِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الْعَامِلِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ لِأَنَّ أَمْرَ مِثْلِهِ إكْرَاهٌ، فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ الْعُمَّالِ أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِشَيْءٍ، ثُمَّ يُعَاقِبُونَ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ بِالْقَتْلِ، وَغَيْرِهِ، وَالْفِعْلُ يَصِيرُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ بِمِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: ٤]، وَاللَّعِينُ مَا كَانَ يُبَاشِرُ حَقِيقَتَهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُطَاعًا بِأَمْرِهِ، وَالْأَمْرُ مِنْ مِثْلِهِ إكْرَاهٌ، وَالْكَلَامُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ. .

، وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ اللَّهَ، وَرَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، ثُمَّ تَرَكُوهُ، فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: شَرٌّ مَا تَرَكُونِي حَتَّى نِلْتُ مِنْك، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَك؟ قَالَ: أَجِدُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنْ عَادُوا، فَعُدْ»، فَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُجْرِيَ كَلِمَةَ الشِّرْكِ عَلَى اللِّسَانِ مُكْرَهًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُطْمَئِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>