للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ لَا تَرْضَى بِالْمَقَامِ مَعَهُ سَوَاءٌ الْتَزَمَ الزَّوْجُ لَهَا كَمَالَ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ لَمْ يَلْتَزِمْ دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الضَّرَرِ مِنْ اسْتِفْرَاشِ مَنْ لَا يُكَافِئُهَا، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا، وَهِيَ طَائِعَةٌ، أَوْ رَضِيَتْ، فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ طَلَبِ الْكَفَاءَةِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا طَائِعَةً مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ كَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ، فَهُنَا أَيْضًا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الرِّضَا بِسُقُوطِ حَقِّهِمْ فِي الْكَفَاءَةِ، وَالزَّوْجُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إزَالَةِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ، فَيَكُونُ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ رَضِيَ بِأَنْ يُتِمَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا، أَوْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ.

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا، وَجَبَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ، أَوْ فِيمَا دُونَهَا، فَأُكْرِهَ بِوَعِيدِ قَتْلٍ، أَوْ حَبْسٍ حَتَّى عَفَا فَالْعَفْوُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ نَظِيرُ الطَّلَاقِ فِي أَنَّ الْهَزْلَ، وَالْجِدَّ فِيهِ سَوَاءٌ، فَإِنَّهُ إبْطَالُ مِلْكِ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْمِلْكِ شَيْءٌ، وَلَا ضَمَانَ لَهُ عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ عِوَضًا، وَلَمْ يَتَمَلَّكْ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَتُقَوَّمُ النَّفْسُ بِالْمَالِ عِنْدَ الْخَطَأِ لِصِيَانَةِ النَّفْسِ عَنْ الْإِهْدَارِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ عِنْدَ الْإِسْقَاطِ بِالْعَفْوِ؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ، وَالْبَدَلُ فِيهِ صَحِيحٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَهْلِكْ عَلَيْهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا، فَإِنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ، وَلِهَذَا لَا يُضَمَّنُ شُهُودُ الْعَفْو إذَا رَجَعُوا، وَمَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا قَتَلَهُ إنْسَانٌ لَا يَضْمَنُ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ شَيْئًا، فَكَذَلِكَ الْمُكْرِهُ.

وَلَوْ، وَجَبَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ مِنْ مَالٍ، أَوْ كَفَالَةٍ بِنَفْسٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَأُكْرِهَ بِوَعِيدِ قَتْلٍ، أَوْ حَبْسٍ حَتَّى أَبْرَأَ مِنْ ذَلِكَ الْحَقِّ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ تَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا، وَبِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ يَنْعَدِمُ الرِّضَا؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا، وَلَكِنْ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمَدْيُونِ، وَإِبْرَاءُ الْكَفِيلِ، فَرْعٌ لِإِبْرَاءِ الْأَصِيلِ، وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ مِنْ حُقُوقِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا بِاعْتِبَارِ دَعْوَى الْمَالِ، فَلِهَذَا لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ مَعَ الْإِكْرَاهِ كَمَا لَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ مَا طَلَبهَا؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ كَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَلِهَذَا مَلَكَهُ الْأَبُ، وَالْوَصِيُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

وَالتِّجَارَةُ تَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا، وَذَلِكَ يُعْتَمَدُ بِالْإِكْرَاهِ، وَلَوْ كَانَ الشَّفِيعُ حِينَ عَلِمَ بِهَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِطَلَبِهَا، فَأُكْرِهَ حَتَّى سَدَّ فَمَهُ، وَلَمْ يَتْرُكْهُ يَنْطِقُ يَوْمًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا خَلَّى عَنْهُ، فَإِنْ طَلَبَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَإِلَّا بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لِلشُّفْعَةِ تَرَكَ الطَّلَبَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ تَرْكَ الطَّلَبِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ لَا يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ لِانْعِدَامِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الطَّلَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>