للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ مَا هُوَ مَالٌ، وَبَيْنَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَتَقَوُّمُهُ عِنْدَ النِّكَاحِ لِإِظْهَارِ خَطَرِ الْمَمْلُوكِ، وَهَذَا الْخَطَرُ لِلْمَمْلُوكِ لَا لِلْمِلْكِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ إزَالَةَ الْمِلْكِ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَبِغَيْرِ، وَلِيٍّ صَحِيحٌ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إظْهَارِ الْخَطَرِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ، فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُتْلِفُ شَيْئًا. .

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَكْرَهَ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَجَامَعَهَا يُرِيدُ بِهِ الْفَسَادَ عَلَى أَبِيهِ، وَلَمْ يَدْخُلُ بِهَا أَبُوهُ كَانَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ، وَقَعَتْ بِسَبَبٍ مُضَافٍ إلَى الْأَبِ، وَهُوَ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْزَمهُ ذَلِكَ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ قَدْ دَخَلَ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الِابْنِ بِشَيْءٍ لِمَا قُلْنَا، وَهَذَا الْفَصْلُ، أَوْرَدَهُ لِإِيضَاحِ مَا سَبَقَ، وَقَوْلُهُ بَرِيدُ بِهِ الْفَسَادَ أَيْ يَكُونُ قَصْدُهُ إفْسَادَ النِّكَاحِ، فَأَمَّا الزِّنَا، فَلَا يَكُونُ إفْسَادًا. .

وَلَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ قَتْلٍ، أَوْ حَبْسٍ حَتَّى تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَمَهْرِ مِثْلِهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ جَازَ النِّكَاحُ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْجِدَّ، وَالْهَزْلَ فِي النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ سَوَاءٌ، فَكَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ، وَالطَّوَاعِيَةُ، وَلِلْمَرْأَةِ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمَالِ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا، وَيَخْتَلِفُ بِالْجِدِّ، وَالْهَزْلِ، فَيَخْتَلِفُ أَيْضًا بِالْإِكْرَاهِ، وَالطَّوْعِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ الزَّوْجِ الْتِزَامُ الْمَالِ مُكْرَهًا إلَّا أَنَّ مِقْدَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ يَجِبُ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ لَا مَحَالَةَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ يَجِبُ، فَعِنْدَ قَبُولِ التَّسْمِيَةِ فِيهِ مُكْرَهًا، أَوْلَى أَنْ يَجِبَ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَبْطُلُ لِانْعِدَامِ الرِّضَا مِنْ الزَّوْجِ بِالْتِزَامِهِ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الَّتِي أُكْرِهَتْ بِبَعْضِ مَا ذَكَرْنَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِأَلْفٍ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا عَشَرَةُ آلَافٍ فَزَوَّجَهَا أَوْلِيَاؤُهَا مُكْرَهِينَ، فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ، وَتَقَوُّمُهُ عَلَى الْمُتَمَلِّكِ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيمَا هُوَ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ، ثُمَّ يَقُولُ الْقَاضِي لِلزَّوْجِ: إنْ شِئْت، فَأَتْمِمْ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا، وَهِيَ امْرَأَتُك إنْ كَانَ كُفُؤًا لَهَا، فَإِنْ أَبَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَا شَيْءَ لَهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّوْجَ إنْ كَانَ كُفُؤًا لَهَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ؛ لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الضَّرَرِ بِنُقْصَانِ حَقِّهَا عَنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا، وَالزَّوْجُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إزَالَةِ هَذَا الضَّرَرِ بِأَنْ يَلْتَزِمَ لَهَا كَمَالَ مَهْرِ مِثْلِهَا، فَإِنْ الْتَزَمَ ذَلِكَ فَالنِّكَاحُ بَيْنَهُمَا لَازِمٌ، وَإِنْ أَبَى، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَا شَيْءَ لَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا مُكْرَهَةً، فَلَهَا تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا لِانْعِدَامِ الرِّضَا مِنْهَا بِالنُّقْصَانِ، وَلَا خِيَارَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ انْدَفَعَ حِينَ اسْتَحَقَّتْ كَمَالَ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا، وَهِيَ طَائِعَةٌ، أَوْ رَضِيَتْ بِمَا سَمَّى لَهَا، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ، وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَأَصْلُهُ فِيمَا إذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ كُفُؤٍ بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الزَّوْجُ كُفُؤًا لَهَا، فَلَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>