ذَلِكَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا فَهُوَ، وَإِلْقَاءُ النَّفْسِ فِي النَّارِ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَطْرَحَ نَفْسَهُ فِي مَاءٍ، وَهُنَا الْقَوْدُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكْرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ يُرْجَى النَّجَاةُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرَهِ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ، وَهْبٍ قَالَ اسْتَعْمَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَجُلًا عَلَى جَيْشٍ، فَخَرَجَ نَحْوَ الْجَبَلِ، فَانْتَهَى إلَى نَهْرٍ لَيْسَ عَلَيْهِ جِسْرٌ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ، فَقَالَ أَمِيرُ ذَلِكَ الْجَيْشِ لِرَجُلٍ انْزِلْ فَابْغِ لَنَا مَخَاضَةً نَجُوزُ فِيهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إنِّي أَخَافُ إنْ دَخَلْت الْمَاءَ أَنْ أَمُوتَ قَالَ، فَأَكْرَهَهُ، فَدَخَلَ الْمَاءَ قَالَ يَا عُمَرَاهُ، يَا عُمَرَاهُ ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ هَلَكَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ قَالَ يَا لَيْتَكَاهُ، يَا لَيْتَكَاهُ،، فَبَعَثَ إلَى أَمِيرِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَنَزَعَهُ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَكُونَ سُنَّةً لَأَقَدْتُهُ مِنْك، ثُمَّ غَرَّمَهُ الدِّيَةَ، وَقَالَ: لَا تَعْمَلْ لِي عَمَلًا أَبَدًا قَالَ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ الْأَمِيرُ بِهَذَا عَلَى غَيْرِ إرَادَةِ قَتْلِهِ بَلْ لِيَدْخُلَ الْمَاءَ، فَيَنْظُرَ لَهُمْ مَخَاضَةَ الْمَاءِ، فَضَمَّنَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دِيَتَهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ أَمَرَهُ، وَهُوَ يُرِيدُ قَتْلَهُ بِذَلِكَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً يَعْنِي فِي حَقِّ مَنْ لَا يَقْصِدُ الْقَتْلَ، وَيَكُونُ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ، فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ قَاصِدًا إلَى قَتْلِهِ بِمَا لَا يُلْجِئُهُ، فَإِنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الْقَوَدَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّمَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ، وَقَدْ يُهَدِّدُ الْإِمَامُ بِمَا لَا يَتَحَقَّقُ، وَيَتَحَرَّزُ فِيهِ عَنْ الْكَذِبِ بِبَعْضِ مَعَارِيضِ الْكَلَامِ. .
وَلَوْ قَالَ لَتَقْطَعَنَّ يَدَ نَفْسِك، أَوْ لَأَقْطَعَنَّهَا أَنَّهُ لَمْ يَسَعْهُ قَطْعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ، فَالْمُكْرَهُ مَنْ يَنْجُو عَمَّا هُدِّدَ بِهِ بِالْإِقْدَامِ عَلَى مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَهُنَا فِي الْجَانِبَيْنِ عَلَيْهِ ضَرَرُ قَطْعِ الْيَدِ، وَإِذَا امْتَنَعَ صَارَتْ يَدُهُ مَقْطُوعَةً بِفِعْلِ الْمُكْرِهِ، وَإِذَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ صَارَتْ مَقْطُوعَةً بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَهُوَ يَتَيَقَّنُ بِمَا يَفْعَلُهُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَتَيَقَّنُ بِمَا هَدَّدَهُ بِهِ الْمُكْرِهُ، فَرُبَّمَا يُخَوِّفُهُ بِمَا لَا يُحَقِّقُهُ، فَلِهَذَا لَا يَسَعُهُ قَطْعُهَا، وَلَوْ قَطَعَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إلَى الْمُكْرِهِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ، وَالْإِكْرَاهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا يُقْدِمُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ هُنَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا اقْتَصَرَ حُكْمُ فِعْلِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ لَتَقْتُلَنَّ نَفْسَكَ بِهَذَا السَّيْفِ، أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ بِهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا إكْرَاهًا لِمَا قُلْنَا.
، وَلَوْ قَالَ لَهُ لَأَقْتُلَنَّكَ بِالسِّيَاطِ، أَوْ لَتَقْتُلَنَّ نَفْسَك بِهَذَا السَّيْفِ، أَوْ ذَكَرَ لَهُ نَوْعًا مِنْ الْقَتْلِ هُوَ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِمَّا أَمَرَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ قُتِلَ بِهِ الَّذِي أَكْرَهَهُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ هُنَا تَحَقَّقَ، فَإِنَّهُ قَصَدَ بِالْإِقْدَامِ عَلَى مَا طُلِبَ مِنْهُ دَفْعَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْهِ، فَالْقَتْلُ بِالسِّيَاطِ أَفْحَشُ، وَأَشَدُّ عَلَى الْبَدَنِ مِنْ الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالسَّيْفِ يَكُونُ فِي لَحْظَةٍ، وَبِالسِّيَاطِ يَطُولُ، وَيَتَوَالَى الْأَلَمُ، وَإِلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute