للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُغَيِّرًا لِلْحُكْمِ يُعْتَبَرُ فِيهِ السُّلْطَانُ كَتَغْيِيرِ الْفَرَائِضِ مِنْ الْأَرْبَعِ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِقَامَةِ الْخُطْبَةِ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ يُعْتَبَرُ فِيهِ السُّلْطَانُ، وَلَا يَقُومُ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَقَامِهِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْمُكْرَهَ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ لَهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْحُدُودِ إذْ الْحَدُّ، وَالْمَهْرُ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا بِسَبَبِ فِعْلٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ سَقَطَ الْحَدُّ، وَجَبَ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّ الْوَاطِئَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ حَدٍّ، أَوْ مَهْرٍ، فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ، وَجَبَ الْمَهْرُ لِإِظْهَارِ خَطَرِ الْمَحَلِّ، فَإِنَّهُ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ مُحْتَرَمٌ كَاحْتِرَامِ النُّفُوسِ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَتْ أَذِنَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ، أَوْ اسْتَكْرَهَهَا أَمَّا إذَا اسْتَكْرَهَهَا، فَغَيْرُ مُشْكِلٍ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ عِوَضًا عَمَّا أُتْلِفَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوجَدْ الرِّضَا مِنْهَا بِسُقُوطِ حَقِّهَا، وَأَمَّا إذَا أَذِنَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَلِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهَا شَرْعًا أَنْ تَأْذَنَ فِي ذَلِكَ، فَيَكُونُ إذْنُهَا لَغْوًا لِكَوْنِهَا مَحْجُورَةً عَنْ ذَلِكَ شَرْعًا بِمَنْزِلَةِ إذْنِ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ فِي إتْلَافِ مَالِهِ، أَوْ هِيَ مُتَّهَمَةٌ فِي هَذَا الْإِذْنِ لِمَا لَهَا فِي هَذَا الْإِذْنِ مِنْ الْحَظِّ، فَجَعَلَ الشَّرْعُ إذْنَهَا غَيْرَ مُعْتَبَرٍ لِلتُّهْمَةِ، وَوُجُوبِ الضَّمَانِ لِصِيَانَةِ الْمَحَلِّ عَنْ الِابْتِذَالِ، وَالْحَاجَةُ إلَى الصِّيَانَةِ لَا تَنْعَدِمُ بِالْإِذْنِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ، وَجَبَ الْمَهْرُ، وَلَوْ مَكَّنَتْ نَفْسَهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ حَتَّى وَطِئَهَا الزَّوْجُ، وَلَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهَا مَالًا وَجَبَ الْمَالُ، فَهَذَا مِثْلُهُ، وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْوَجْهَيْنِ.

أَمَّا إذَا اسْتَكْرَهَهَا، فَإِنَّهُ ظَالِمٌ، وَحُرْمَةُ الظُّلْمِ حُرْمَةٌ بَاتَّةٌ، وَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إذْنَهَا لَغْوٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، ثُمَّ حُرْمَةُ الزِّنَا حُرْمَةٌ بَاتَّةٌ لَا اسْتِثْنَاءَ فِيهَا، وَلَمْ يَحِلَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَدْيَانِ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَيْتَةِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، فَتِلْكَ الْحُرْمَةُ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ لِوُجُودِ التَّنْصِيصِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩]، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الزِّنَا حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ ارْتِكَابِ الْحَرَامِ، وَبَذَلَ نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْوُقُوفِ عَلَى حَدِّ الدِّينِ بِالتَّحَرُّزِ عَنْ مُجَاوَزَتِهِ، وَفِيمَا يُرَخَّصُ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الشِّرْكِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا، فَمَا لَا رُخْصَةَ فِيهِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الزِّنَا بِحَبْسٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَ الشُّبْهَةِ بِاعْتِبَارِ الْإِلْجَاءِ، وَبِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِلْجَاءُ فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ سَوَاءٌ. .

وَلَوْ قَالَ لَهُ: لَأَقْتُلَنَّكَ، أَوْ لَتَقْطَعَنَّ يَدَ هَذَا الرَّجُلِ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ: قَدْ أَذِنْت لَك فِي الْقَطْعِ، فَاقْطَعْهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ لَا يَسَعُ الْمُكْرَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَظَالِمِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِالْفِعْلِ أَنْ يَأْذَنَ فِي ذَلِكَ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ يَبْذُلُ طَرَفَهُ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ لَا يَسَعُهُ كَمَا لَوْ رَأَى مُضْطَرًّا، فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ نَفْسِهِ لِيَدْفَعَهَا إلَيْهِ حَتَّى يَأْكُلَهَا، وَلَا يَسَعُهُ ذَلِكَ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَلَوْ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>