الَّذِي بَقِيَ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَالِ كَانَ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْفُقَرَاءِ وَنِصْفَهُ كَانَ فَارِغًا عَنْ حَقِّهِمْ، وَلَيْسَ صَرْفُ الْهَلَاكِ إلَى أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَجْعَلُ الْهَالِكَ مِنْهُمَا وَالْبَاقِيَ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ خَمْسُمِائَةٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَمَلَ الْمَالُ عَلَى النِّصَابِ وَالْوَقْصِ فَهَلَكَ مِنْهُمَا شَيْءٌ يَجْعَلُ الْهَالِكَ مِنْ الْوَقْصِ خَاصَّةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى نَحْوُ مَا إذَا كَانَ لَهُ فَوْقَ النِّصَابِ ثَمَانُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ثُمَّ هَلَكَ أَرْبَعُونَ فَعَلَيْهِ فِي الْبَاقِي شَاةٌ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْوَقْصَ تَبَعٌ لِلنِّصَابِ بِاسْمِهِ وَحُكْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْوَقْصُ إلَّا بَعْدَ النِّصَابِ، وَهَذَا هُوَ عَلَامَةُ الْأَصْلِ مَعَ التَّبَعِ فَإِنَّ التَّبَعَ يَقُومُ بِالْأَصْلِ وَالْأَصْلُ يَسْتَغْنِي عَنْ التَّبَعِ ثُمَّ لَا يَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَ التَّبَعِ وَالْأَصْلِ وَجَعْلِ الْهَالِكِ مِنْ الْمَالَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْمُعَارَضَةِ فَأَمَّا هُنَا فَأَحَدُ الْأَلْفَيْنِ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلْآخَرِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَهُمَا فَلِهَذَا يُجْعَلُ الْهَالِكُ مِنْهُمَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا كَانَ فِيهَا رِبْحٌ فَهَلَكَ مِنْهَا شَيْءٌ يَجْعَلُ الْهَالِكَ مِنْ الرِّبْحِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِرَأْسِ الْمَالِ وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا هَلَكَ مِنْهُ شَيْءٌ يُجْعَلُ الْهَالِكُ مِنْ نَصِيبِ الشَّرِيكَيْنِ وَالْبَاقِي مِنْ نَصِيبِهِمَا.
فَإِنْ قِيلَ لِمَاذَا لَمْ يَجْعَلْ صَاحِبَ الْمَالِ بِهَذَا الْخَلْطِ مُسْتَهْلِكًا لِمَالِ الزَّكَاةِ حَتَّى يَكُونَ ضَامِنًا اعْتِبَارًا لِحُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ لَوْ غَصَبَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَلَطَهَا بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ كَانَ ضَامِنًا. قُلْنَا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ حَقَّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي عَيْنِ الدَّرَاهِمِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يُمْسِكَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ وَيُعْطِيَهُ غَيْرَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَالْخَلْطُ اسْتِهْلَاكُ الْعَيْنِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ بَعْدَهُ إلَى تِلْكَ الْعَيْنِ فَأَمَّا حَقُّ الْفُقَرَاءِ هُنَا فَفِي مَعْنَى الْمَالِيَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ مِنْ دَرَاهِمَ غَيْرِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ، وَمِنْ جِنْسٍ آخَرَ مِنْ الْمَالِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَلْطِ تَفْوِيتُ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ، وَلَا إخْرَاجُ الْمَالِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ بِالْخَلْطِ شَيْئًا فَإِنْ عَرَفَ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ الْبَاقِي أَنَّهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ الْأُولَى وَلَمْ يَعْرِفْ غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يُزَكِّي هَذِهِ الْمِائَةَ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ رُبْعَ عُشْرِهَا حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَيُزَكِّي تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِمَّا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَرَفَ الْمِائَةَ بَقِيَ الْمُشْتَبَهُ أَلْفٌ وَتِسْعُمِائَةٍ فَإِذَا جُعِلَتْ كُلُّ مِائَةٍ سَهْمًا كَانَتْ عَشَرَةُ أَسْهُمٍ مِنْ ذَلِكَ فَارِغَةً عَنْ الزَّكَاةِ وَتِسْعَةُ أَسْهُمٍ مَشْغُولَةً بِالزَّكَاةِ فَمَا هَلَكَ يَكُونُ مِنْهَا بِالْحِصَّةِ، وَمَا بَقِيَ كَذَلِكَ فَلِهَذَا يُزَكِّي تِسْعَةَ أَجْزَاءَ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِمَّا بَقِيَ، وَلَوْ عَرَفَ مِائَةَ دِرْهَمٍ أَنَّهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ الْأُخْرَى وَلَمْ يَعْرِفْ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمِائَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَشَرَةَ أَجْزَاءَ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِمَّا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَبَهَ تِسْعَةَ عَشَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute