سَهْمًا عَشَرَةٌ مِنْ ذَلِكَ مَالُ الزَّكَاةِ وَتِسْعَةٌ فَارِغَةٌ فَيَكُونُ الْهَلَاكُ مِنْهُمَا بِالْحِصَّةِ وَالْبَاقِي كَذَلِكَ.
(قَالَ): رَجُلٌ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ سُودٌ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ بِيضٌ فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ زَكَّى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِنْ الْبِيضِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَهْلِكَ الْبِيضُ قَبْلَ كَمَالِ الْحَوْلِ أَوْ تُسْتَحَقَّ، أَوْ يَتِمَّ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالَيْنِ فَإِنْ ضَاعَتْ الْبِيضُ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى السُّودِ يُجْزِئُهُ مَا أَدَّى عَنْ زَكَاةِ السُّودِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَجَّلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ كَمَالِ الْحَوْلِ، وَهُوَ زَكَاةُ السُّودِ فَالْمُعَجَّلُ يُجْزِي مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَدَّى بَعْدَ كَمَالِ الْحَوْلِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا بِيضًا بِزَكَاةِ السُّودِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبِيضَ وَالسُّودَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ فَلِهَذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ أَصْلُ النِّيَّةِ فَأَمَّا نِيَّةُ التَّعْيِينِ فَغَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا كَمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ وَصَامَ بِعَدَدِهَا يَنْوِي الْقَضَاءَ يُجْزِئُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فِي نِيتَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَعَجَّلَ زَكَاةَ الْغَنَمِ شَاةً ثُمَّ ضَاعَتْ الْغَنَمُ، وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الْإِبِلِ فَإِنَّ الْمُعَجَّلَ لَا يُجْزِئُ عَنْ زَكَاةِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ وَلِهَذَا لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ التَّمْيِيزِ.
وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْبِيضُ قَبْلَ كَمَالِ الْحَوْلِ لَمْ يُجْزِ الْمُعَجَّلُ عَنْ زَكَاةِ السُّودِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ فَلَا يُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَكَيْفَ يُجْزِئُ، وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَدَّى مِنْ الْبِيضِ إلَى الْفُقَرَاءِ أَمَّا هُنَا إنَّمَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ بِالْهَلَاكِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ فَيُجْزِي الْمُعَجَّلُ عَمَّا يَلْزَمُهُ عِنْدَ كَمَالِ الْحَوْلِ، وَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالَيْنِ جَمِيعًا فَفِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ قَالَ: الْمُعَجَّلُ يَكُونُ مِنْ زَكَاةِ الْبِيضِ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ الْبِيضُ بَعْدَ كَمَالِ الْحَوْلِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ السُّودِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: الْمُعَجَّلُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَتَّى إذَا هَلَكَتْ الْبِيضُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ زَكَاةِ السُّودِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَنِصْفُ دِرْهَمٍ.
وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ بَعْدَ مَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهِمَا يُجْعَلُ الْأَدَاءُ بِطَرِيقِ التَّعْجِيلِ كَالْأَدَاءِ بَعْدَ كَمَالِ الْحَوْلِ، وَلَوْ أَدَّى بَعْدَ كَمَالِ الْحَوْلِ زَكَاةَ الْبِيضِ كَانَ الْمُؤَدَّى عَمَّا نَوَاهُ خَاصَّةً فَكَذَلِكَ إذَا عَجَّلَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ حِينَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهِمَا فَاعْتَبَرْنَا نِيَّتَهُ فِي التَّمْيِيزِ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَمَلًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ كَمَالِ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى.
وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ، وَهِيَ الْأَصَحُّ مَا بَيَّنَّا أَنَّ السُّودَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute