الْبُضْعَ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ قَالَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا إنْ شَجَّنِي الْيَوْمَ أَحَدٌ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدِهِ، فَشُجَّ، إنَّ الْعَبْدَ يَعْتِقُ، وَالْمَرْأَةُ تَطْلُقُ، وَعَلَى الشَّاجِّ أَرْشُ الشَّجَّةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَلَا مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ شَيْءٌ لِلْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكُلِّ مُخَالِفٌ، وَلَكِنَّ مِنْ عَادَةِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاسْتِشْهَادَ بِالْمُخْتَلِفِ عَلَى الْمُخْتَلَفِ لِإِيضَاحِ الْكَلَامِ.
وَلَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ حَتَّى يُحَصِّلَ عِتْقَ عَبْدِهِ فِي يَدِ هَذَا الرَّجُلِ، أَوْ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَفَعَلَهُ، فَطَلَّقَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ، أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ، وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ، وَالطَّلَاقِ، فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ بِهَا عَلَيْهِ، وَصِحَّةُ تَمْلِيكِهِ مِنْ غَيْرِهِ تَجْعَلُهُ فِي يَدِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْإِكْرَاهَ فِي هَذَا كَشَرْطِ الْخِيَارِ، وَشَرْطُ الْخِيَارِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِعْتَاقِ لَا يُؤَثِّرُ فِي تَفْوِيضِ الْعِتْقِ إلَى الْغَيْرِ، ثُمَّ الْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَغْرَمَ الْمُكْرِهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مَا أَكْرَهَهُ عَلَى السَّبَبِ الْمُتْلِفِ، فَإِنَّ السَّبَبَ قَوْلُ الْمَجْعُولِ إلَيْهِ لِلْعَبْدِ أَنْتَ حُرٌّ، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِهَذَا تَقَدَّمَ التَّفْوِيضُ مِنْ الْمَالِكِ، فَالْمُكْرِهُ عَلَى ذَلِكَ التَّفْوِيضِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكْرِهِ عَلَى شَرْطِ الْعِتْقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ، فَصْلُ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّ شَاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَ عَبْدِهِ فِي الْعِتْقِ فِي يَدِ فُلَانٍ، أَوْ أَمْرَ امْرَأَتِهِ فِي الطَّلَاقِ، ثُمَّ أَعْتَقَ فُلَانٌ الْعَبْدَ، وَطَلَّقَ الْمَرْأَةَ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا، فَلَمَّا جُعِلَ التَّفْوِيضُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ، فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْإِكْرَاهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ عَلَى الْمُكْرِهِ ضَمَانُ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَنِصْفُ الْمَهْرِ الَّذِي غَرِمَ لِامْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ عَلَى الْأَمْرِ بِالْعِتْقِ بِعَيْنِهِ، أَوْ بِالطَّلَاقِ بِعَيْنِهِ، فَيَصِيرُ بِهِ مُتْلِفًا عِنْدَ وُجُودِ الْإِيقَاعِ مِنْ الْمُفَوِّضِ إلَيْهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُكْرَهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَأَوْقَعَهُ كَانَ ضَامِنًا، وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا بِإِيقَاعِهِ إنَّمَا يَكُونُ ضَامِنًا بِإِكْرَاهِهِ عَلَى جَعْلِ ذَلِكَ فِي يَدِهِ، وَالْأَخْذُ بِالْقِيَاسِ فِي هَذَا الْفَصْلِ قَبِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إعْتَاقِهِ كَانَ الْمُكْرِهُ مُتْلِفًا، فَإِذَا أَكْرَهَهُ عَلَى جَعْلِ الْعِتْقِ فِي يَدِ الْمُكْرَهِ، فَأَعْتَقَهُ الْمُكْرَهُ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُتْلِفًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ، وَالشَّهَادَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُكْرَهَ مُضَارٌّ مُتَعَنِّتٌ، فَيَتَعَدَّى الْإِكْرَاهُ إلَى مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الضَّرَرُ، وَالشَّاهِدُ مُحْتَسِبٌ فِي أَدَاءِ الْأَمَانَةِ، فَلَا تَتَعَدَّى شَهَادَتُهُ عَمَّا شَهِدَ بِهِ إلَى غَيْرِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْهِبَةِ يُجْعَلُ إكْرَاهًا عَلَى التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِهِ يَتَحَقَّقُ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْهِبَةِ لَا تَكُونُ شَهَادَةً عَلَى التَّسْلِيمِ: يُوَضِّحُهُ أَنَّ الشَّاهِدَ مُخْبِرٌ عَنْ تَفْوِيضٍ قَدْ كَانَ مِنْهُ، وَالْإِيقَاعُ مِنْ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْخَبَرِ بَلْ هُوَ إنْشَاءٌ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُتَمِّمًا لِمَا ثَبَتَ بِإِخْبَارِ الشَّاهِد، فَأَمَّا الْمُكْرِهُ، فَإِنَّمَا أَلْجَأَهُ إلَى إنْشَاءِ التَّفْوِيضِ، فَيُمْكِنُ جَعْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute