للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيقَاعِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ مُتَمِّمًا لِمَا أَكْرَهَهُ الْمُكْرِهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ هُوَ مُتْلِفًا.

وَفِي الْكِتَابِ اسْتَشْهَدَ لِإِيضَاحِ هَذَا الْفَرْقِ، فَقَالَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ شُهُودَ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ الرَّجْمِ، وَقَالُوا شَهِدْنَا بِالْبَاطِلِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا غُرْمٌ، وَلَوْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالْإِحْصَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي عَلِمْت أَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ، وَأَنَّهُ لَا رَجْمَ، وَلَكِنِّي أَرْجُمُهُ، وَأَكْرَهَ النَّاسَ حَتَّى رَجَمُوهُ كَانَ ضَامِنًا، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ، وَالْإِكْرَاهِ، ثُمَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِشْكَالُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَضْمَنُ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْقَوَدَ فِي الْقَتْلِ رَجْمًا عَلَى مَنْ بَاشَرَهُ، فَكَذَلِكَ عَلَى مَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْقَوَدَ عَلَى الْمُكْرَهِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ، فَبِالْحِجَارَةِ أَوْلَى، فَإِنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقِيَاسِ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَالْقَتْلُ بِالْحَجَرِ عِنْدَهُ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ، وَهَذَا قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَكَانَ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَجَعَلَ عَلَيْهِ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ لِلشُّبْهَةِ الَّتِي دَخَلَتْ مِنْ حَيْثُ إنَّ السَّبَبَ الْمُبِيحَ لِدَمِهِ مَوْجُودٌ، وَهُوَ الزِّنَا، فَإِنَّ عِنْد ظُهُورِ إحْصَانِهِ إنَّمَا يُرْجَمُ لِزِنَاهُ لَا لِإِحْصَانِهِ، فَيَصِيرُ هَذَا السَّبَبُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ عَنْ الْقَاضِي، وَلِأَنَّ بَعْضَ الرَّجْمِ قَائِمٌ مَقَامَ إقَامَةِ الْحَدِّ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ بَعْدَ مَا رَجَمَهُ الْقَاضِي بَعْضَ الرَّجْمِ لَوْ بَدَا لَهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ عَنْ الْقَاضِي، وَتَلْزَمُهُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ ثَبَتَ مَعَ الشُّبُهَاتِ.

وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ مَمْلُوكٍ يَمْلِكُهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ حُرًّا فَفَعَلَ، ثُمَّ مَلَكَ مَمْلُوكًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَتَقَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا حَصَلَ بِاعْتِبَارِ صُنْعٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَهُوَ مُخْتَارٌ فِيهِ، وَهُوَ قَبُولُ الشِّرَاءِ، وَالْهِبَةِ، أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ، وَذَلِكَ مِنْهُ دَلِيلُ الرِّضَا بِالْعِتْقِ، فَيَكُونُ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَإِنْ، وَرِثَ مَمْلُوكًا، فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَضْمَنَ الْمُكْرِهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ أَكْرَهَهُ عَلَى الْيَمِينِ، وَالْيَمِينُ تَصَرُّفٌ لَا يَحْصُلُ الْإِتْلَافُ بِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بَعْدَ انْحِلَالِ الْيَمِينِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ، فَلَمْ يَكُنْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْيَمِينِ، أَوْ تَعَلُّقُ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ إكْرَاهًا عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّلَفُ بِعَيْنِهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ: الْمُكْرَهُ ضَامِنُ قِيمَةَ الْمَمْلُوكِ الَّذِي وَرِثَهُ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ شَاءَ أَوْ أَبَى بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ، وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ إنَّمَا يَنْزِلُ الْعِتْقُ بِتَكَلُّمِهِ بِكَلَامِ الْعِتْقِ، وَقَدْ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الْمُكْرِهُ ضَامِنًا.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَرِثهُ، فَهُوَ حُرٌّ فَقَالَ ذَلِكَ، ثُمَّ، وَرِثَ مَمْلُوكًا يَعْتِقُ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: لَا يَضْمَنُ الْمُكْرَهُ هُنَا؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ الْإِكْرَاهِ قَصَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>