إتْلَافَ هَذَا الْمِلْكِ عَلَيْهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ فِي هَذَا كُلِّهِ بِحَبْسٍ لَمْ يَضْمَنْ الْمُكْرِهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ لَا يَصِيرُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْإِكْرَاهِ. .
وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ شِئْت، فَأَنْتَ حُرٌّ، فَشَاءَ الْعَبْدُ عَتَقَ، وَغُرِّمَ الْمُكْرِهُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ مَشِيئَتِهِ عَتَقَ بِقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، وَقَدْ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ قَالَ لَهُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ دَخَلَهَا الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَوْلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِذَلِكَ الْعِتْقِ، فَإِنْ قِيلَ: لَا كَذَلِكَ، فَقَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ مِنْ مِلْكِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ، وَإِنْ شَاءَ الْعِتْقَ يَبِيعُهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ صَارَ بِاسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِيهِ رَاضِيًا بِذَلِكَ الْعِتْقِ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ، فَالْبَيْعُ لَا يَتِمُّ بِهِ، وَحْدَهُ إنَّمَا يَتِمُّ بِهِ، وَبِالْمُشْتَرِي، وَرُبَّمَا لَا يَجِدُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مُشْتَرِيًا يَشْتَرِيهِ مِنْهُ، فَلَا يَصِيرُ هُوَ بِهَذَا الطَّرِيقِ رَاضِيًا.
وَلَوْ كَانَ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ صَلَّيْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ إنْ أَكَلْت، أَوْ شَرِبْت، فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ صَنَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يُعْتَقُ، وَيُغَرَّمُ الْمُكْرِهُ قِيمَتَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ، فَرِيضَةٍ لَا يَجِدُ الْمُكْرَهُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِمُبَاشَرَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ لَا يَصِير رَاضِيًا بِالْعِتْقِ، فَإِنَّهُ يَخَافُ التَّلَفَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَيَخَافُ الْعُقُوبَةَ بِتَرْكِ الْفَرِيضَةِ، فَيَكُونُ هُوَ مُضْطَرًّا فِي الْإِتْيَانِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ، وَالْمُضْطَرُّ لَا يَكُونُ رَاضِيًا، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَرِيضِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ أَكَلْت، أَوْ صَلَّيْتِ الظُّهْرَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ كَانَ الزَّوْجُ، فَارًّا بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَوْ قَالَ لَهُ فُلَانٌ: إنْ تَقَاضَيْت دَيْنِي الَّذِي عَلَى فُلَانٍ، أَوْ أَكَلْت طَعَامَ كَذَا لِطَعَامٍ خَاصٍّ بِعَيْنِهِ، أَوْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ، فَأَنْتِ حُرٌّ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ فَعَلَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ عَتَقَ الْعَبْدُ، وَلَمْ يَغْرَمْ الْمُكْرَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِدُ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلَ بُدًّا، فَبِالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ يَصِيرُ رَاضِيًا بِالْعِتْقِ، وَيَخْرُجُ الْإِتْلَافُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الطَّلَاقِ إذَا قَالَ الْمَرِيضُ لِامْرَأَتِهِ: إنْ تَقَاضَيْت دَيْنَك الَّذِي عَلَى فُلَانٍ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ يَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا انْعِدَامُ الرِّضَا مِنْ الْمَرْأَةِ بِالْفُرْقَةِ لِيَصِيرَ الزَّوْجُ، فَارًّا لَا الْإِلْجَاءُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهَا بِالْحَبْسِ حَتَّى سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ كَانَ الزَّوْجُ، فَارًّا؛ لِأَنَّ الرِّضَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ، فَكَذَلِكَ الرِّضَا يَنْعَدِمُ مِنْهَا إذَا كَانَتْ تَخَافُ هَلَاكَ دَيْنِهَا عَلَى فُلَانٍ بِتَرْكِ التَّقَاضِي، فَأَمَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْإِلْجَاءُ، وَالضَّرُورَةُ لِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرِهِ لَا انْعِدَامَ الرِّضَا مِنْ الْمُكْرَهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ بِحَبْسٍ، أَوْ قَيْدٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ الْمُكْرِهُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّق الْإِلْجَاءُ عِنْدَ خَوْفِ التَّلَفِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ خَوْفِ الْعُقُوبَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute