للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ: كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ؟ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَإِنَّ مِنْ أَصْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ عِنْدَ، فَسَادِ الْبَيْعِ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ، فَلَا يَكُونُ الْقِصَاصُ، وَاجِبًا لَهُ قُلْنَا: أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَا يَعْتَبِرُونَ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ فِي تَفْرِيعِ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ هَذِهِ التَّفْرِيعَاتِ مِنْهُمْ، وَخِلَافُ زُفَرَ فِي هَذَا كَخِلَافِهِ فِي الْمَبِيعِ مِنْ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى الْمُكْرِهِ فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُنَا مِنْ أَنْ نُلْزِمَهُ الْقَوَدَ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ، وَلَوْ كَانَ أَكْرَهَهُ عَلَى الْقَتْلِ بِحَبْسٍ لَمْ يَضْمَنْ الْمُكْرِهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْإِلْجَاءَ لَمْ يَحْصُلْ بِالْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ.

وَلَوْ أَكْرَهَ الْبَائِعُ بِوَعِيدِ تَلَفٍ، وَأَكْرَهَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الشِّرَاء، وَالْقَبْضِ، وَالْقَتْلِ بِالْحَبْسِ، فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرَهَ قِيمَةَ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُلْجَأً مِنْ جِهَتِهِ إلَى الْبَيْعِ، وَالتَّسْلِيمِ، فَيَكُونُ مُتْلِفًا عَلَيْهِ مِلْكَهُ، وَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ رَجَعَ الْمُكْرَهُ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُلْجَأً إلَى الْقَتْلِ، وَلَا إلَى الْعِتْقِ، وَإِنْ شَاءَ الْبَائِعُ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَةَ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْقَبْضِ، وَالْعِتْقِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ قِيمَتَهُ، وَلَوْ كَانَ أَكْرَهَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الشِّرَاءِ بِالْحَبْسِ، وَعَلَى الْقَتْلِ عَمْدًا بِالْقَتْلِ، فَالْبَائِعِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرَهَ قِيمَةَ عَبْدِهِ؛ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِذَا ضَمَّنَهُ لَمْ يَرْجِعْ هُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ مُلْجَأً إلَى الْقَتْلِ مِنْ جِهَتِهِ، فَيَصِيرُ فِعْلُهُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ، وَكَأَنَّهُ قَتَلَهُ بِيَدِهِ، وَذَلِكَ اسْتِرْدَادٌ مِنْهُ لِلْعَبْدِ، وَزِيَادَةٌ، فَلَا يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي لِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَالْإِكْرَاهُ بِالْحَبْسِ عَلَى الْفِعْلِ لَا يَجْعَلُ الْفِعْلَ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ، وَإِنْ شَاءَ الْبَائِعُ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَةَ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الشِّرَاءِ، وَالْقَبْضِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى ذَلِكَ بِالْحَبْسِ، فَإِنْ ضَمَّنَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْتُلَ الْمُكْرِهَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَقَرَّرَ فِي مِلْكِهِ مِنْ حِينِ قَبْضِهِ حِينَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلِ عَبْدِهِ عَمْدًا بِوَعِيدِ تَلَفٍ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْقَوَدَ عَلَى الْمُكْرِهِ.

وَإِنْ كَانَ أَكْرَهَ الْبَائِعُ بِالْحَبْسِ عَلَى الْبَيْعِ، وَالدَّفْعِ، وَأَكْرَهَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الشِّرَاءِ، وَالْقَبْضِ، وَالْقَتْلِ بِالْوَعِيدِ بِالْقَتْلِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ فِي جَمِيعِ مَا كَانَ مِنْهُ لِلْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ، وَيَغْرَمُ الْمُكْرِهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْبَيْعِ، وَالتَّسْلِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ، فَفِعْلِ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ، وَالْقَتْلِ صَارَ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ، فَكَأَنَّ الْمُكْرِهَ هُوَ الَّذِي، فَعَلَ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ الْقَوَدُ اسْتِحْسَانًا لِاشْتِبَاهِ الْمُسْتَوْفَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَكْرَهَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الشِّرَاءِ، وَالْقَبْضِ بِوَعِيدِ تَلَفٍ، وَأَكْرَهَهُ عَلَى الْقَتْلِ، أَوْ الْعِتْقِ، أَوْ التَّدْبِيرِ بِالْحَبْسِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ، أَوْ الْعِتْقِ، أَوْ التَّدْبِيرِ، وَذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>