قَوْلِهِ الْآخَرِ: وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ إذَا أَقْدَمَ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ كَانَ آلَةً فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَكَانَ الْفِعْلُ مَنْسُوبًا إلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُكْرِهُ، فَلَا يَكُونُ هُوَ مُؤَاخَذًا بِشَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ، وَإِذَا أَقْدَمَ عَلَى الزِّنَا كَانَ الْفِعْلُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ بِحُكْمِهِ، فَهُوَ لِلْإِقْدَامِ عَلَى الزِّنَا هُنَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ دَفْعِ الْبَلَاءِ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِيرُ مُؤَاخَذًا بِشَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الْفِعْلِ بِأَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلَ فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا بِعَيْنِهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ، فَهُوَ أَقْدَمَ عَلَى الزِّنَا دَفْعًا لِلْقَتْلِ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ أَقْدَمَ عَلَى الزِّنَا دَفْعًا لِلْقَتْلِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ وَلَزِمَهُ الْمَهْرُ، فَهَذَا مِثْلُهُ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ الضَّرُورَةَ تَحَقَّقَتْ لَهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ حِينَ لَمْ يَسَعْهُ الْإِقْدَامُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ الْمُسْلِمَ كَانَ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَكَانَ الْمُكْرَهُ مُسْتَحِقًّا لِلتَّعْزِيرِ، وَالْحَبْسِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، فَلِذَلِكَ إذَا أَقْدَمَ عَلَى الزِّنَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَدِّ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهُ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ عَمْدًا كَانَ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرَهِ إذَا قَتَلَ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسَعْهُ الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِهِ بِعَيْنِهِ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى ذَلِكَ بِالْحَبْسِ أُخِذَ بِحَدِّ الزِّنَا إنْ زَنَى، وَبِالْقَوَدِ إنْ قَتَلَ الرَّجُلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسَعُهُ الْإِقْدَامُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ، وَإِنْ تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ بِهِ، فَالْإِكْرَاهُ بِالْحَبْسِ لَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي مُوجِبِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، وَلَوْ أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا بِحَبْسٍ، أَوْ قَيْدٍ دُرِئَ عَنْهَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى ذَلِكَ بِالْقَتْلِ يَسَعُهَا التَّمْكِينُ، وَلَا تَأْثَمُ فِيهِ، فَإِذَا أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ يَصِيرُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهَا بِمَنْزِلَةِ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَإِنَّمَا، فَرَّقْنَا بَيْنَ جَانِبِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ مُبَاشِرٌ لِفِعْلِ الزِّنَا مُسْتَعْمِلٌ لِلْآلَةِ فِي ذَلِكَ، وَحُرْمَةُ الزِّنَا حُرْمَةٌ تَامَّةٌ، فَلَا تَنْكَشِفُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِحُرْمَةِ الْقَتْلِ فَأَمَّا الْمَرْأَةُ، فَهِيَ مَفْعُولٌ بِهَا، وَلَيْسَ مِنْ جِهَتِهَا مُبَاشَرَةٌ لِلْفِعْلِ إنَّمَا الَّذِي مِنْهَا التَّمْكِينُ، وَذَلِكَ بِتَرْكِ الِامْتِنَاعِ إلَّا أَنَّ فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ لَا يَسَعُهَا ذَلِكَ لِوُجُوبِ دَفْعِ الْمُبَاشَرَةِ لِلزِّنَا عَنْ نَفْسِهَا، وَذَلِكَ الْمَعْنَى يَنْعَدِمُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ بِالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ، فَلَا يَأْثَمُ فِي تَرْكِ الِامْتِنَاعِ كَمَنْ تَرَكَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ آثِمًا فِي ذَلِكَ.
وَلَوْ قَالَ لَهُ لَأَقْتُلَنَّكَ، أَوْ لَتَقْتُلَنَّ هَذَا الْمُسْلِمَ أَوْ تَأْخُذَ مَالَهُ، فَتَسْتَهْلِكَهُ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الدِّيَةِ، أَوْ أَقَلُّ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ، أَوْ يَسْتَهْلِكَهُ، وَيَكُونُ ضَمَانُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute