للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِلْجَاءَ قَدْ تَحَقَّقَ، وَيُبَاحُ إتْلَافُ الْمَالِ عِنْدَ الْإِلْجَاءِ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَيَصِيرُ هُوَ فِي ذَلِكَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ، فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَإِنْ قَتَلَ الرَّجُلَ قُتِلَ بِهِ الَّذِي، وَلِيَ الْقَتْلَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أُبِيحَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ، وَلَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ إثْمٌ، وَلَا ضَمَانَ كَانَ هُوَ غَيْرَ مُضْطَرٍّ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْقَتْلِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الطَّائِعِ، فَيَلْزَمُهُ الْقَوَدُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَيْتَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ إلَّا أَنَّ هُنَا إنْ لَمْ يَفْعَلْ وَاحِدًا مِنْهُمَا حَتَّى قُتِلَ كَانَ غَيْرَ آثِمٍ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ هُنَاكَ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَحَالَةُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْحُرْمَةِ شَرْعًا، وَهُنَا بِخِلَافِهِ، فَإِنَّ تَنَاوُلَ مَالِ الْغَيْرِ، وَاسْتِهْلَاكَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ ظُلْمٌ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْمَالِ وَالظُّلْمُ حَرَامٌ إلَّا أَنَّ بِسَبَبِ الضَّرُورَةِ يُبَاحُ لَهُ الْإِتْلَافُ شَرْعًا مَعَ بَقَاءِ حَقِّ الْمِلْكِ فِي الْمَالِ، فَلِهَذَا وَجَبَ الضَّمَانُ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ جُبْرَانًا لِحَقِّهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ الظُّلْمِ، فَلَا يَأْثَمُ بِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمُضْطَرَّ إلَى طَعَامِ الْغَيْرِ يَسَعُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ، فَإِنْ أَبَى صَاحِبُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ، فَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَكُنْ آثِمًا فِي تَرْكِهِ لِهَذَا الْمَعْنَى، فَكَذَلِكَ الْمُكْرَهُ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قِيلَ: لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَدُلَّنَا عَلَى مَالِك، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ لَمْ يَكُنْ آثِمًا، فَإِذَا كَانَ لَوْ قُتِلَ فِي دَفْعِهِ عَنْ مَالِ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ آثِمًا، فَكَذَلِكَ إذَا امْتَنَعَ عَنْ اسْتِهْلَاكِ مَالِ الْغَيْرِ حَتَّى قُتِلَ قَالَ: وَلَوْ أَثِمَ فِي هَذَا فِي مَالِهِ، أَوْ مَالِ غَيْرِهِ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ»، وَهَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ أَشَارَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ قُتِلَ دَفْعًا عَنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ كَانَ شَهِيدًا، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ شَهِيدًا فِي دَفْعِ مَا لَا يَسَعُهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ، فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ، أَوْ لَتُطَلِّقَنَّ امْرَأَتَكَ، أَوْ لَتُعْتِقَنَّ عَبْدَك، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ لَمْ يَأْثَمْ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ دَفْعًا عَنْ مِلْكٍ مُحْتَرَمٍ لَهُ، فَإِنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مُحْتَرَمٌ لِمِلْكِ الْمَالِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ الِاحْتِرَامُ لِمِلْكِ النِّكَاحِ أَظْهَرُ، فَلَا يَكُونُ هُوَ آثِمًا، وَإِنْ كَانَ يَسَعُهُ الْإِقْدَامُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ.

وَلَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ قَتْلٍ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ عَبْدَهُ عَمْدًا وَقِيمَتُهُ أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ يَسْتَهْلِكَ مَالَهُ هَذَا، وَهُوَ أَلْفَا دِرْهَمٍ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَفْعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا حَتَّى قُتِلَ كَانَ غَيْرَ آثِمٍ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْقَتْلِ لَمْ تَنْكَشِفْ بِالْإِكْرَاهِ، وَحُرْمَةُ الْمَالِ قَائِمَةٌ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَإِنْ أُبِيحَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى اسْتِهْلَاكِهِ لِلدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَا يَكُونُ آثِمًا فِي الِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ السَّفَهِ فِي اسْتِهْلَاكِ الْمَالِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ مِنْ السَّفَهِ، فَإِنْ اسْتَهْلَكَ مَالَهُ، فَقَدْ أَحْسَنَ، وَضَمَانُهُ عَلَى الْمُكْرِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّ الْإِلْجَاءَ قَدْ تَحَقَّقَ، فَيَكُونُ فِعْلُهُ فِي إتْلَافِ الْمَالِ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ، وَهُوَ مُحْسِنٌ فِيمَا صَنَعَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَالَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>