للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُونَ نَفْسِهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِوَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ اجْعَلْ مَالَك دُونَ نَفْسِك، وَنَفْسَك دُونَ دِينِك»، فَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدَ، وَلَمْ يَسْتَهْلِكْ الْمَالَ، فَهُوَ آثِمٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِلْجَاءَ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الْقَتْلِ، فَإِنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ دَفْعِ الشَّرِّ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ، فَبَقِيَ فِعْلُهُ فِي الْقَتْلِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ قَوَدٌ، وَلَا قِيمَةٌ. .

وَلَوْ أَكْرَهَهُ بِوَعِيدِ الْقَتْلِ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ هَذَيْنِ، وَأَحَدُهُمَا أَقَلُّ قِيمَةً مِنْ الْآخَرِ، فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا عَمْدًا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُكْرِهَ لِتَحَقُّقِ الْإِلْجَاءِ هُنَا فِيمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ مِنْ الْقَتْلِ، فَحُكْمُ الْقَتْلِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ قَلِيلُ الْقِيمَةِ كَهُوَ فِي كَثِيرِ الْقِيمَةِ، وَاذَا تَحَقَّقَ الْإِلْجَاءُ صَارَ الْقَتْلُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ اسْتِهْلَاكِ الْمَالِ، وَالْقَتْلِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْإِلْجَاءُ فِي الْأَدْنَى وَالْأَدْنَى اسْتِهْلَاكُ الْمَالِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، فَبَقِيَ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ مُبَاشِرًا لِلْفِعْلِ مُخْتَارًا، وَهُنَا حُرْمَةُ نَفْسِ الْعَبْدَيْنِ سَوَاءٌ، فَيَتَحَقَّقُ الْإِلْجَاءُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَهُ بِوَعِيدِ الْقَتْلِ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ يَدَ نَفْسِهِ، أَوْ يَقْتُلَ عَبْدَهُ عَمْدًا، فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِلْجَاءَ تَنَاوَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ قِيلَ: لَا كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى قَطْعِ يَدِ نَفْسِهِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ، وَلَا يُبَاحُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِ عَبْدِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ هَذَا نَظِيرَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ، فَالْأَطْرَافُ مُحْتَرَمَةٌ كَالنُّفُوسِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى قَطْعِ يَدَ نَفْسِهِ، فَبِاعْتِبَارِ مُقَابَلَةِ طَرَفِهِ بِنَفْسِهِ جَوَّزَنَا لَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَدْنَى الضَّرَرَيْنِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ مُقَابَلَةِ طَرَفِهِ بِنَفْسِ عَبْدِهِ فَالضَّرَرُ عَلَيْهِ فِي قَطْعِ طَرَفِهِ، فَوْقَ الضَّرَرِ فِي قَتْلِ عَبْدِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ خَافَ عَلَى عَبْدِهِ الْهَلَاكَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ نَفْسِهِ لِيَتَنَاوَلَهُ الْعَبْدُ، فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُرْمَةِ عِنْدَ مُقَابَلَةِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، فَيَتَنَاوَلُ الْإِكْرَاهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ مِائَةَ سَوْطٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِأَحَدِهِمَا، فَمَاتَ مِنْهُ غَرِمَ الْمُكْرِهُ أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ إنْ كَانَ الَّذِي بَقِيَ أَقَلُّهُمَا قِيمَةً؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِهَذَا الْفِعْلِ ضَمَانُ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَفِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَالِيَّةِ الضَّرُورَةُ لِلْمَوْلَى إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي الْأَقَلِّ، فَهُوَ أَقْدَمَ عَلَى ضَرْبِ أَكْثَرِهِمَا قِيمَةً كَانَ مُخْتَارًا فِي الزِّيَادَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ، وَالتَّسْلِيمِ فِي أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَهُنَاكَ مُوجِبُ الْفِعْلِ الْقَوَدُ يَسْتَوِي فِيهِ قَلِيلُ الْقِيمَةِ، وَكَثِيرُ الْقِيمَةِ، وَهُنَا مُوجِبُهُ الْمَالُ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ لِمَا، فَاتَ عَنْ الْمَوْلَى، وَبَيْنَهُمَا فِي الْمَالِيَّةِ تَفَاوُتٌ وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ لَهُ الضَّرُورَةُ فِي أَقَلِّهِمَا، وَلَوْ أَكْرَهَهُ فِي كُلِّهِ بِوَعِيدِ حَبْسٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُكْرِهِ شَيْءٌ.

وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَالَ هَذَا الرَّجُلِ، أَوْ مَالَ هَذَا الرَّجُلِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ

<<  <  ج: ص:  >  >>