للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَ مَالِهِ لِيَنَالَ مَالُهُ بَرَكَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَصِيرُ فِيهِ وَفَاءٌ بِدُيُونِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا يَأْمُرُ الْقَاضِي الْمَدْيُونَ بِبَيْعِ مَالِهِ أَوَّلًا، فَإِذَا امْتَنَعَ، فَحِينَئِذٍ يَبِيعُ مَالَهُ وَلَا يُظَنُّ بِمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَأْبَى أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ بِبَيْعِ مَالِهِ حَتَّى يَحْتَجَّ بِبَيْعِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، فَإِنَّهُ كَانَ سَمْحًا جَوَادًا لَا يَمْنَعُ أَحَدًا شَيْئًا، وَلِأَجْلِهِ رَكِبَتْهُ الدُّيُونُ، فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ بِمَالِهِ بَعْدَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ.

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَشْهُورُ فِي حَدِيث أُسَيْفِعَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إنِّي قَاسِمٌ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَالُهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَإِنْ ثَبَتَ الْبَيْعُ فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِرِضَاهُ (أَلَا تَرَى) أَنَّ عِنْدَهُمَا الْقَاضِي لَا يَبِيعُهُ إلَّا عِنْدَ طَلَبِ الْغُرَمَاءِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْغُرَمَاءَ طَالَبُوهُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ أَنَّهُ ابْتَدَأَهُمْ بِذَلِكَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَفِدُوا إلَيْهِ، فَدَلَّ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ بِرِضَاهُ.

، ثُمَّ قَدْ تَمَّ الْكِتَابُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ بَعْدَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْحَجْرَ، فَنَقُولُ بَيْنَ مَنْ يَرَى الْحَجْرَ بِسَبَبِ السَّفَهِ اخْتِلَافٌ فِي صِفَةِ الْحَجْرِ، فَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَجْرُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ حَتَّى لَا يَنْفُذُ بَعْدَ الْحَجْرِ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ سِوَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ السَّفَهَ لَا يُزِيلُ الْخِطَابَ، وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِالْتِزَامِ الْعُقُوبَةِ بِاللِّسَانِ بِاكْتِسَابِ سَبَبِهَا، أَوْ بِالْإِقْرَارِ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الرِّقِّ، فَكَمَا أَنَّ بَعْدَ الرِّقِّ لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ سِوَى الطَّلَاقِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْحَجْرِ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالَا: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ السَّفَهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ كَالْهَازِلِ يُخْرِجُ كَلَامَهُ عَلَى غَيْرِ نَهْجِ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ لِقَصْدِهِ اللَّعِبَ بِهِ دُونَ مَا وُضِعَ الْكَلَامُ لَهُ لَا لِنُقْصَانٍ فِي عَقْلِهِ، فَكَذَلِكَ السَّفِيهُ يُخْرِجُ كَلَامَهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ عَلَى غَيْرِ نَهْجِ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ لِاتِّبَاعِ الْهَوَى، وَمُكَابَرَةِ الْعَقْلِ لَا لِنُقْصَانٍ فِي عَقْلِهِ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا نَظِيرُ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَجْرَ لِحَقِّ الْغَيْرِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يُلَاقِيهِ تَصَرُّفُهُ حَتَّى فِيمَا لَا حَقَّ لِلْغَيْرِ فِيهِ يَكُونُ تَصَرُّفُهُ نَافِذًا، وَهُنَا لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يُلَاقِيهِ تَصَرُّفُهُ، ثُمَّ عَلَى مَذْهَبِهِمَا الْقَاضِي يَنْظُرُ فِيمَا بَاعَ وَاشْتَرَى هَذَا السَّفِيهُ.

فَإِنْ رَأَى إجَازَتَهُ أَجَازَهُ، وَكَانَ جَائِزًا لِانْعِدَامِ الْحَجْرِ قَبْلَ الْقَضَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلِإِجَازَةِ الْقَاضِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ لَا يَكُونُ دُونَ حَالِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إذَا كَانَ عَاقِلًا، وَهُنَاكَ إذَا بَاعَ وَاشْتَرَى، وَأَجَازَهُ الْقَاضِي جَازَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِمَعْنَى النَّظَرِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ النَّظَرُ لَهُ فِي إجَازَةِ هَذَا التَّصَرُّفِ، فَلِهَذَا نَفَذَ بِإِجَازَةِ الْقَاضِي سَوَاءٌ بَاشَرَهُ السَّفِيهُ، أَوْ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ قَالَ: وَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>