إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمُسَمَّى مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ فِي مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَتَنَصُّفُ الْمَفْرُوضِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ حُكْمٌ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ.
وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ، أَوْ تَزَوَّجَ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَبِهَذَا يَحْتَجُّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْسَدُّ بَابُ إتْلَافِ الْمَالِ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ يُتْلِفُ مَالَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ إذَا أُعْجِزَ عَنْ إتْلَافِهِ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَهُوَ يَكْتَسِبُ الْمَحْمَدَةَ فِي الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَالْمَذَمَّةَ فِي التَّزَوُّجِ، وَالطَّلَاقِ قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنْ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِطْلَاقٍ»، وَلَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ نَذَرَ نُذُورًا مِنْ هَدْيٍ، أَوْ صَدَقَةٍ لَمْ يُنَفِّذْ لَهُ الْقَاضِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَدَعْهُ يُكَفِّرُ أَيْمَانَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَجَرَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ، وَلَوْ لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ إذَا، أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ بِالْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ تَيَسَّرَ عَلَيْهِ النَّذْرُ بِالتَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ مَالِهِ، ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ لِكُلِّ يَمِينٍ حَنِثَ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مَالِكًا لِلْمَالِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ مَقْصُورَةٌ عَنْ مَالِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ ابْنِ السَّبِيلِ الْمُنْقَطِعِ عَنْ مَالِهِ وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ يَكُونُ مَالُهُ دَيْنًا عَلَى إنْسَانٍ، أَوْ غَصْبًا فِي يَدِهِ، وَهُوَ يَأْبَى أَنْ يُعْطِيَهُ، فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ كَذَلِكَ هُنَا.
وَلَوْ ظَاهَرَ هَذَا الْمُفْسِدُ مِنْ امْرَأَتِهِ صَحَّ ظِهَارُهُ كَمَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَيُجْزِيهِ الصَّوْمُ فِي ذَلِكَ لِقُصُورِ يَدِهِ عَنْ مَالِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا عَنْهُ، فَإِنْ قِيلَ: هُنَاكَ لَوْ كَانَ فِي مَالِهِ عَبْدٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ قُلْنَا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَقْدِرُ عَلَى إعْتَاقِهِ عَنْ ظِهَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، وَهُنَا لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ، وَمَعَ وُجُوبِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ عَنْ الظِّهَارِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَرِيضًا مُصْلِحًا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ ظِهَارِهِ، أَوْ قَتَلَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، ثُمَّ مَاتَ سَعَى الْغُلَامُ فِي قِيمَتِهِ وَلَمْ يَجُزْ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِلسِّعَايَةِ الَّتِي وَجَبَتْ فَلِهَذَا، أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالْقَتْلِ فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ إعْتَاقُهُ مِنْ غَيْرِ سِعَايَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى رَبِّهِ وَيَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبُ عَنْ ذِمَّتِهِ، فَالنَّظَرُ لَهُ فِي تَنْفِيذِهِ قُلْنَا لَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ هَذَا الْبَابَ لَكَانَ إذَا شَاءَ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ، وَقِيلَ: لَهُ إنَّ عِتْقَكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالسِّعَايَةِ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، أَوْ حَلَفَ بِيَمِينٍ، وَحَنِثَ فِيهَا، ثُمَّ أَعْتَقَ ذَلِكَ، فَيَحْصُلُ لَهُ مَقْصُودُهُ مِنْ التَّبْذِيرِ بِهَذَا الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَعْدَ هَذَا الْعِتْقِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُظَاهِرْ، فَلِزَجْرِهِ عَنْ هَذَا الْقَصْدِ، أَوْجَبْنَا السِّعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ إذَا أَعْتَقَهُ، وَعَيَّنَّا عَلَيْهِ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ، فَإِنْ صَامَ الْمُفْسِدُ أَحَدَ الشَّهْرَيْنِ، ثُمَّ صَارَ مُصْلِحًا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الْعِتْقَ بِمَنْزِلَةِ مُعْسِرٍ أَيْسَرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُعْسِرًا ابْتِدَاءً، وَقَدْ وَصَلَتْ يَدُهُ إلَى الْمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute