للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَ سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ بِالصَّوْمِ، فَعَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ.

، وَأَمَّا مَا وَجَبَ عَلَى الْمُفْسِدِ مِنْ أَمْرٍ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ، أَوْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ، وَالْمُصْلِحُ فِيهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ، وَإِنْ كَانَ مُفْسِدًا، وَبِسَبَبِ الْفَسَادِ لَا يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ فِي إسْقَاطِ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَاسِقِ الَّذِي يُقَصِّرُ فِي أَدَاءِ بَعْضِ الْفَرَائِضِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّخْفِيفَ فِي حُكْمِ الْخِطَابِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا فِيمَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ الْتِزَامِهِ، فَيُمْكِنُ فِيهِ مَعْنَى التَّبْذِيرِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى النَّظَرِ لَهُ فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي مُبَاشَرَةِ التَّصَدُّقِ، فَأَمَّا فِيمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ مَعْنَى التَّبْذِيرِ فَهُوَ، وَالْمُصْلِحُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنَفِّذَ لَهُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ إذَا طَلَبه مِنْ أَدَاءِ زَكَاةِ مَالِهِ وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ، وَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصْرِفُهُ إلَى شَهَوَاتِ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ لَا يُخَلِّي بَيْنَهُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ حَتَّى يُعْطِيَهُ الْمَسَاكِينَ بِمَحْضَرٍ مِنْ أَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِيتَاءُ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلٍ هُوَ عِبَادَةٌ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِنِيَّتِهِ، فَلِهَذَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ لِيُعْطِيَهُ الْمَسَاكِينَ مِنْ زَكَاتِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ أَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي مَالًا يَصِلُ بِهِ قَرَابَتَهُ الَّذِي يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهِمْ أَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ نَفَقَتِهِمْ عَلَيْهِ يَكُونُ شَرْعًا لَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَكِنَّ الْقَاضِي لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ بَلْ يَدْفَعُهُ بِنَفْسِهِ إلَى ذَوِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى فِعْلِهِ وَنِيَّتِهِ حَتَّى أَنَّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَكَذَلِكَ الْقَاضِي يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْقَرَابَةِ، وَعِشْرَةِ الْقَرَائِبِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ لَهُ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا يَكُونُ مُلْزِمًا إيَّاهُ شَيْئًا إلَّا فِي الْوَالِدِ، فَإِنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى النَّسَبِ قُبِلَ قَوْلُهُمَا فِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي تَصْدِيقِ صَاحِبِهِ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّسَبِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ السَّفَهَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَوَائِجِهِ، وَلَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي عُسْرَةِ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى يَعْرِفَ أَنَّهُ كَذَلِكَ كَمَا عُسْرَةِ سَائِرِ الْأَقَارِبِ.

وَكَذَلِكَ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ التَّزَوُّجِ فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ، وَيَجِبُ لَهَا مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَيُعْطِيَهَا الْقَاضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ حُكْمًا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى بَعْدَ إقْرَارِهِ أَشْهُرٌ، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ فُرِضَ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ فِي أَوَّلِ تِلْكَ الشُّهُورِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى مَا مَضَى مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْهُ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ لَهَا، فَإِنَّ نَفَقَتَهُ لِزَوْجَةٍ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَإِقْرَارُهُ لَهَا بِالدَّيْنِ بَاطِلٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا تَلْزَمُهُ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ صُنْعِ مِنْ جِهَتِهِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ مَعْنَى التَّبْذِيرِ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>