يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْحَقِّ اللَّازِمِ كَمَا يُنْدَبُ إلَى الْإِشْهَادِ عَلَى الْبَيْعِ بَيَانُهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢]، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِحَقٍّ لَازِمٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ مَتَى شَاءَ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ فِي ذَلِكَ.
وَإِذَا نَظَرَ الرَّجُلُ إلَى عَبْدِهِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ إذْنٌ مِنْهُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: قَدْ أَذِنْتُ لَكَ فِي التِّجَارَةِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَاتِ كُلِّهَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَكُونُ مَأْذُونًا إلَّا فِي ذَلِكَ النَّوْعِ خَاصَّةً وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ إنْ سَكَتَ عَنْ النَّهْيِ عَنْ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ فَإِنْ قَالَ: اعْمَلْ فِي الْبُرِّ فَهُوَ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَاتِ كُلِّهَا، وَإِنْ صَرَّحَ بِالنَّهْيِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي سَائِرِ الْأَنْوَاعِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا فِي النَّوْعِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِيهِ خَاصَّةً فَالْحُجَّةُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَتَصَرَّفَ لِلْمَوْلَى بِإِذْنِهِ فَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ إلَّا فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ كَالْوَكِيلِ، وَالْمُضَارِبِ، وَالْمُسْتَبْضِعِ، وَالشَّرِيكِ شَرِكَةَ الْعَنَانِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الرِّقَّ مُوجِبٌ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَالرِّقُّ بَعْدَ الْإِذْنِ قَائِمٌ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ فَيَكُونُ تَصَرُّفُهُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمَوْلَى فِيهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمِلْكُ يَحْصُلُ لِلْمَوْلَى، وَأَنَّ الْعَبْدَ بِسَبَبِ الرِّقِّ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ فِيهِ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ بِالْكِتَابَةِ عِنْدِي يَثْبُتُ لِلْمُكَاتَبِ حَقٌّ، وَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَدًا؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إعْتَاقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْحَجْرَ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ بِاعْتِبَارِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ يَدًا، ثُمَّ الْمَأْذُونُ عِنْدِي يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى إلَّا أَنَّهُ عَيَّنَ لِرُجُوعِهِ مَحِلًّا وَهُوَ كَسْبُهُ فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَهَكَذَا مَذْهَبِي فِي الْوَكِيلِ إذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْمُوَكِّلِ فَإِنَّ رُجُوعَهُ بِالْعُهْدَةِ فِيمَا يَشْتَرِي وَيَبِيعُ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْمُوَكِّلِ فَإِنَّ رُجُوعَهُ بِالْعُهْدَةِ فِيمَا يَشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ دُونَ غَيْرِهِ وَيَكُونُ هُوَ نَائِبًا عَنْ الْمُوَكِّلِ فِي التَّصَرُّفِ فَكَذَلِكَ الْمَأْذُونُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا فَكَذَلِكَ فِي التِّجَارَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ يَحْصُلُ لِلْعَبْدِ وَمَقْصُودَ هَذَا التَّصَرُّفِ يَحْصُلُ لِلْمَوْلَى فَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَمْلِكُ النِّكَاحَ وَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَا يَمْلِكُ التِّجَارَةَ، وَلَئِنْ كَانَ الْإِذْنُ إطْلَاقًا وَتَمْلِيكًا لِلْيَدِ مِنْهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُكُمْ فَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ كَتَقْلِيدِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ إطْلَاقٌ وَإِثْبَاتٌ لِلْوِلَايَةِ، ثُمَّ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، وَالْإِعَارَةَ، وَالْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ وَإِثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى الْعَيْنِ، ثُمَّ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ بِالْإِذْنِ كَذَلِكَ وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute