للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ التَّخْصِيصَ مُفِيدٌ فَمَقْصُودُ الْمَوْلَى تَحْصِيلُ الرِّبْحِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِتِجَارَتِهِ فِي نَوْعٍ لِكَثْرَةِ هِدَايَتِهِ فِيهِ، ثُمَّ يَفُوتُ ذَلِكَ بِتِجَارَتِهِ فِي نَوْعٍ آخَرَ لِقِلَّةِ هِدَايَتِهِ فِي ذَلِكَ فَكَانَ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ.

وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَقُولُ إنَّمَا أَثْبَتْنَا حُكْمًا عَامًّا عِنْدَ سُكُوتِهِ عَنْ النَّهْيِ لِدَلَالَةِ الْعُرْفِ وَذَلِكَ يَسْقُطُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِالنَّهْيِ فِي سَائِرِ الْأَنْوَاعِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ مُطْلَقَ الْإِذْنِ يُوجِبُ التَّعْمِيمَ فِي الْوَقْتِ، ثُمَّ إذَا صَرَّحَ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ مَضَى شَهْرٌ أَوْ يَوْمٌ يَرْتَفِعُ ذَلِكَ الْإِذْنُ فَهَذَا مِثْلُهُ.

وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ طُرُقٌ ثَلَاثَةٌ:

أَحَدُهَا مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْإِذْنَ فِي نَوْعٍ يَسْتَدْعِي الْإِذْنَ فِي سَائِرِ الْأَنْوَاعِ لِاتِّصَالِ بَعْضِ التِّجَارَاتِ بِالْبَعْضِ، وَالْمُتَصَرِّفُ فِي الْبُرِّ بِمَا يَشْتَرِي ذَلِكَ الْبُرَّ بِالطَّعَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ الطَّعَامَ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِ الْبُرِّ بِالْعَبِيدِ، وَالْإِمَاءِ إذَا لَمْ يَجِدْ مِنْ يَشْتَرِي ذَلِكَ مِنْهُ بِالنَّقْدِ وَإِذَا كَانَ الْإِذْنُ فِي نَوْعٍ يَتَعَدَّى إلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ لِاتِّصَالِ بَعْضِ التِّجَارَاتِ بِالْبَعْضِ وَلِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ فَكٌّ لِلْحَجْرِ عَنْهُ، وَالْعَبْدُ بَعْدَ الْإِذْنِ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ لِانْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ كَالْمُكَاتَبِ، وَكَمَا أَنَّ فِي الْكِتَابَةِ لَا يُعْتَبَرُ التَّقْيِيدُ بِنَوْعٍ خَاصٍّ فَكَذَلِكَ فِي الْإِذْنِ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ بِمُطْلَقِ الْإِذْنِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ، وَالْإِنَابَةُ لَا تَحْصُلُ بِمُطْلَقِ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَى التَّصَرُّفِ كَمَا فِي حَقِّ الْوَكِيلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَأْذُونَ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى مَوْلَاهُ، وَالْمُتَصَرِّفُ لِلْغَيْرِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ، وَأَنَّهُ إذَا قَضَى الدَّيْنَ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَوْ كَانَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ لَكَانَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا يُؤَدِّي مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ كَالْوَكِيلِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ رُجُوعُ الْوَكِيلِ فِيمَا يَحْصُلُ تَصَرُّفُهُ إذَا بَقِيَ ذَلِكَ فَأَمَّا بَعْدَ الْفَوَاتِ فَيَكُونُ رُجُوعُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَهُنَا، وَإِنْ هَلَكَ كَسْبُهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ وَدَلَّ أَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بِالرِّقِّ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ وَلَا مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِثُبُوتِ الْيَدِ لَهُ عَلَى كَسْبِهِ وَلَكِنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى مَعَ قِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ فَالْإِذْنُ لِإِزَالَةِ الْمَنْعِ كَالْكِتَابَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ بِالْكِتَابَةِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْعِتْقِ أَوْ يُجْعَلُ كَالْحُرِّ يَدًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لِحَقِّ الْعِتْقِ مَتَى ثَبَتَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالِاسْتِيلَادِ فَثَبَتَ أَنَّ الْكِتَابَةَ فَكُّ الْحَجْرِ، وَالْإِذْنُ مِثْلُهُ، ثُمَّ فَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ بِهَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْفَكِّ التَّامِّ الَّذِي يَحْصُلُ بِالْعِتْقِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ سَوَاءٌ أَطْلَقَ أَوْ صَرَّحَ بِالنَّهْيِ عَنْ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مِنْهُ تَصَرُّفٌ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ تَصَرُّفَ الْعَبْدِ يُلَاقِي مَحِلًّا هُوَ مِلْكُهُ، وَالْمُتَصَرِّفُ فِي مِلْكِهِ لَا يَكُونُ نَائِبًا عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>