أَقَامَ الْمَوْلَى الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبَقَ مِنْهُ إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَأَقَامَ الَّذِي بَايَعَ الْعَبْدَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَوْلَى أَرْسَلَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يَشْتَرِي فِيهِ وَيَبِيعُ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الَّذِي بَايَعَ الْعَبْدَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ إرْسَالَ الْمَوْلَى إيَّاهُ وَإِذْنَهُ فِي الذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَبَيِّنَةُ الْمَوْلَى تَنْفِي ذَلِكَ، وَفِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ مِنْ بَائِعِ الْعَبْدِ يَثْبُتُ لِذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، وَالْمَوْلَى يَنْفِي فَكَانَ الْمُثْبِتُ أَوْلَى.
فَإِنْ ارْتَدَّ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ، ثُمَّ تَصَرَّفَ فَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ بَطَلَ جَمِيعُ مَا صَنَعَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ أَسْلَمَ جَازَ جَمِيعُ ذَلِكَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ جَمِيعُ ذَلِكَ جَائِزٌ إنْ أَسْلَمَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ؛ لِأَنَّ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْإِذْنِ كَانْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْعِتْقِ، وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُرْتَدِّ لِنَفْسِهِ يُوقَفُ إذَا كَانَ حُرًّا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ عَبْدًا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً جَازَ جَمِيعُ مَا صَنَعَتْ فِي رِدَّتِهَا إنْ أَسْلَمَتْ أَوْ لَمْ تُسْلِمْ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ الْمُرْتَدَّةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا فَكَمَا يُوقَفُ نَفْسُهُ يُوقَفُ تَصَرُّفُهُ فِي كَسْبِهِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تُقْتَلُ فَلَا يُوقَفُ تَصَرُّفُهَا فِي كَسْبِهَا كَمَا لَا تُوقَفُ نَفْسُهَا، ثُمَّ الْمُرْتَدُّ هَالِكٌ حُكْمًا لِاسْتِحْقَاقِ قَتْلِهِ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ، وَالْمَوْتُ حَقِيقَةً يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا تَوَقَّفَ حُكْمُ نَفْسِهِ بِالرِّدَّةِ بِتَوَقُّفِ حُكْمِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ أَبَدًا وَبِهِ فَارَقَ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ فِي كَسْبِهِ بَعْدَ رِدَّتِهِ نَافِذٌ؛ لِأَنَّ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ عَنْهُ مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ، وَمَوْتُهُ حَقِيقَةً لَا يُنَافِي بَقَاءَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ أَوْ عَنْ وَلَدٍ يَسْعَى فِي بَقِيَّةِ الْكِتَابَةِ فَكَذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ نَفْسِهِ بِالرِّدَّةِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْكِتَابَةِ فَلِهَذَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ.
وَإِذَا أَسَرَ الْعَدُوُّ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ وَأَحْرَزُوهُ فِي دَرَاهِمَ فَقَدْ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِزَوَالِ مِلْكِ الْمَوْلَى عَنْهُ وَثُبُوتِ مِلْكِهِمْ فِيهِ بِالْإِحْرَازِ فَإِنْ انْفَلَتَ مِنْهُمْ أَوْ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ فَرَدُّوهُ عَلَى صَاحِبِهِ لَمْ يُعَدَّ مَأْذُونًا إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بَطَلَ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حُكْمِهِ، وَالْإِذْنُ بَعْدَ بُطْلٍ لَا يَعُودُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْحَرْبِ لَمْ يُحْرِزُوهُ فِي دَرَاهِمَ حَتَّى انْفَلَتَ مِنْهُمْ فَأَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ فَرَدُّوهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ عَلَى إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِهِمْ مَا لَمْ يُحْرِزُوهُ، وَالْغَصْبُ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْمَوْلَى وَلَا يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَى الْمَأْذُونِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزُوهُ نَفَذَ عِتْقُهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ.
وَإِذَا بَاعَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ بَيْعًا فَاسِدًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَبَاعَ وَاشْتَرَى فِي يَدِهِ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْبَائِعِ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ مَعَ فَسَادِ الْبَيْعِ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِأَمْرِ الْبَائِعِ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ أَوْ قَبَضَهُ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَوْ قَبَضَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بَعْدَ مَا تَفَرَّقَا لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute