يَصِرْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَكَمَا أَنَّ إيجَابَ الْبَيْعِ يَكُونُ رِضًى بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ لَا بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ يَكُونُ رِضًى مِنْ الْبَائِعِ بِقَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ لَا بَعْدَهُ فَإِذَا قَبَضَهُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ الْبَائِعِ فَلَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَفِي الْمَجْلِسِ إنَّمَا يَقْبِضُهُ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ فَيَمْلِكُهُ وَيَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا أَمَرَهُ بِالْقَبْضِ نَصًّا فَهَذَا أَمْرٌ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ الْمَجْلِسَ وَمَا بَعْدَهُ فَمَتَى قَبَضَهُ كَانَ قَبْضُهُ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ فَيَمْلِكُهُ وَيَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ لَمْ يَصِرْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِالْمَيْتَةِ لَا يَكُونُ مُنْعَقِدًا وَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ قَبَضَهُ كَانَ الْعَبْدُ عَلَى إذْنِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي ضَامِنًا لَهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا لَوْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ وَلَوْ كَانَ بَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ هَهُنَا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهُ مَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ.
وَعِنْد أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ زَوَالَهُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ قَدْ تَمَّ وَلِذَلِكَ يَفُوتُ مَحَلُّ حُكْمِ الْإِذْنِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَجْرًا إلَّا أَنْ يُتِمَّ الْبَيْعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ زَوَالَ مِلْكِهِ وَمَا بَقِيَ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فِيهِ يَبْقَى مَحَلُّ - حُكْمِ الْإِذْنِ وَلَوْ لَمْ يَبِعْهُ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُ وَهَبَهُ فَالْهِبَةُ الصَّحِيحَةُ فِي حُكْمِ الْمِلْكِ نَظِيرُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمِلْكَ يَتَأَخَّرُ إلَى وُجُودِ الْقَبْضِ لِضَعْفِ السَّبَبِ وَقَدْ بَيَّنَّا تَفْصِيلَ حُكْمِ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَفِي الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ الْجَوَابُ كَذَلِكَ.
وَإِذَا غَصَبَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ فَجَحَدَهُ الْغَاصِبُ وَحَلَفَ وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ بَيِّنَةٌ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ الْغَاصِبُ فِي التِّجَارَةِ فَبَاعَ وَاشْتَرَى، وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ يَرَاهُ فَلَمْ يَنْهَهُ، ثُمَّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُبْطِلُ جَمِيعَ مَا بَاعَ وَاشْتَرَى؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْآذِنَ لَهُ كَانَ غَاصِبًا، وَإِذْنُ الْغَاصِبِ لَا يُوجِبُ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ عَنْهُ وَلَا يُسْقِطُ حَقَّ الْمَوْلَى عَنْ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ، وَفِي الْقِيَاسِ سُكُوتُ الْمَوْلَى عَنْ النَّهْيِ كَالتَّصْرِيحِ بِالْإِذْنِ وَلَوْ صَرَّحَ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ جَازَ ذَلِكَ لِقِيَامِ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ جَاحِدًا لَهُ وَلَكِنَّهُ تَرَكَ هَذَا الْقِيَاسَ فَقَالَ السُّكُوتُ عَنْ النَّهْيِ مَعَ التَّمْكِينِ مِنْ النَّهْيِ دَلِيلُ الرِّضَا فَأَمَّا بِدُونِ التَّمَكُّنِ مِنْ النَّهْيِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَى.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ سُكُوتَ الشَّفِيعِ عِنْدَ عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الطَّلَبِ لَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِحَقِّهِ وَسُكُوتَ الْبِكْرِ كَذَلِكَ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ النَّهْيِ هَهُنَا؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَلْتَفِتُ إلَى نَهْيِهِ لَوْ نَهَاهُ عَنْ التَّصَرُّفِ بَلْ يَسْتَخِفُّ بِهِ فَلِصِيَانَةِ نَفْسِهِ سَكَتَ عَنْ النَّهْيِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute