للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الزَّكَاةِ وَعِنْدَ الْآخَرِ يَسْقُطُ عَنْهُ مِقْدَارُ زَكَاةِ الْمُؤَدَّى وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ

(قَالَ): وَإِنْ تَصَدَّقَ رَجُلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تُجْزِي فِيهَا النِّيَابَةُ فَأَدَاءُ الْغَيْرِ بِأَمْرٍ كَأَدَائِهِ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَهُوَ إغْنَاءُ الْمُحْتَاجِ ثُمَّ لَا يَكُونُ لِلْمُؤَدِّي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِدُونِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ فَإِنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا فِي ذِمَّتِهِ، وَكَانَ هُوَ مَطْلُوبًا بِهِ مُجْبَرًا عَلَى قَضَائِهِ فَإِذَا مَلَّكَهُ الْمُؤَدِّيَ بِبَدَلٍ أَدَّاهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بِأَمْرِهِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا بِأَدَائِهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ فَلَمْ يَكُنْ الْمُؤَدِّي مُمَلَّكًا شَيْئًا مِنْهُ فَلَا يَرْجِعُ بِدُونِ شَرْطٍ كَمَا لَوْ عَوَّضَ عَنْ هِبَتِهِ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يُجْزِ عَنْ الزَّكَاةِ لِانْعِدَامِ النِّيَّةِ مِنْهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ مَطْلُوبٌ فِي الْعِبَادَةِ، ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ بِأَدَاءِ الْغَيْرِ بِدُونِ أَمْرِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ

(قَالَ): وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ جَارِيَةٌ لِلتِّجَارَةِ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَهِيَ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ تُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ اعْوَرَّتْ فَصَارَتْ قِيمَتُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ عَنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ كَانَتْ تَبَعًا لِلْأَصْلِ فَيَجْعَلُ مَا هَلَكَ مِنْ الزِّيَادَةِ أَوَّلًا وَيَصِيرُ ذَلِكَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَكَأَنَّهَا اعْوَرَّتْ حِينَ كَانَ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَتَرَاجَعَتْ قِيمَتُهَا إلَى مِائَةٍ فَيَسْقُطُ عَنْهُ نِصْفُ الزَّكَاةِ بِاعْتِبَارِ مَا هَلَكَ، وَيَبْقَى النِّصْفُ بِاعْتِبَارِ مَا بَقِيَ.

وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ جَارِيَةٌ قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ثُمَّ بَاعَهَا بِثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ تَوَتْ مِنْهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ الْمِائَةَ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ كَانَ تَبَعًا لِلْأَصْلِ فَمَا تَوِيَ مِنْ الرِّبْحِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، وَكَأَنَّهُ بَاعَهَا بِمِائَتَيْنِ فَتَوَتْ مِائَةٌ وَاسْتَوْفَى مِائَةً فَيَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْمِائَةِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ

(قَالَ): رَجُلٌ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَلَا تُجْزِيهِ مِنْ زَكَاةِ غَيْرِهَا، وَإِنْ نَوَى ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ بِزَكَاةِ الْمَالِ الْعَيْنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَكْمَلُ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْمَالِيَّةِ أَمَّا زَكَاةُ هَذِهِ الْأَلْفِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ فَقِيرًا لِأَنَّهُ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ غَنِيًّا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ قَالَ يَكُونُ ضَامِنًا زَكَاتَهَا. وَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا فِي يَدِهِ فَوَهَبَهُ مِنْ غَنِيٍّ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا حَقَّ الْفُقَرَاءِ ضَامِنًا لِلزَّكَاةِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ دَيْنًا فَأَبْرَأَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِي الزَّكَاةِ لِلْغَنِيِّ فَلَا يَكُونُ فِي فِعْلِهِ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ.

وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ عَنْ الدَّيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>